سألته يا دكتور هل صحيح أنه فرض عليك حكم قضائي بمبلغ حوالي مليون ريال؟ كان وجهه يحكي الرواية. التفت إلي وقال الرقم الفعلي هو مليون وسبعمائة ألف وعشرة آلاف ريال (1,710,000)؟ قلت له غير معقول لم أسمع بعقوبة من هذا الحجم في أي مخالفة طبية؟ قال صحيح ولعلها السابقة الأولى من نوعها أن يقفز رقم التعويض إلى هذا السقف. قلت له ماذا حدث على وجه الدقة؟ قال جاءت امرأة في الثالثة فجرا لتضع مولودها، قمت بفحصها كما أفعل مع جميع مريضاتي. كانت المؤشرات كلها تقول إن وضع الجنين على ما يرام، دقات قلب الجنين لا تحكي الخطر، وضع الجنين عادي، ليس ثمة مجيء مقعدي، أو ارتكاز معيب للمشيمة يهدد بالنزف. كان ذلك مطمئنا حتى انتهت مناوبتي عند الساعة السابعة صباحا. تسلم الحالة زميلي الدكتور المختص من بعدي وهو رجل أمين ناصح. كان المتوقع أن تنتهي الولادة خلال ساعات، وهو ما جرى فقد وضعت الحامل مولودها عند الساعة التاسعة صباحا. هنا توقف طبيب النسائية عن الحديث وقد امتقع لونه وزاغت نظراته. لقد تبين أن رقم أبجار (Apgar) متدن جدا. حسنا ثم ماذا جرى؟ قال تحركت الشكوى كالقذيفة الموجهة، وبدأت رحلة المعاناة لنا، وحجزت جوازاتنا، لتحديد الخطأ الطبي من عدمه؟ وهل دماغ الطفل له علاقة بالوراثة؟ أم خطأ طبي محض أثناء الوضع؟ إلا أن الكارثة التي حلت على رؤوسنا قبل أيام حكمت أن علينا دفع مبلغ مليون وسبعمائة ألف ريال، لحقني منها 65%؟ كم المحصلة بالنهاية؟ قال مليون ومائة وأحد عشر ألفا وخمسمائة ريال (1.111.500)!!! تابع طبيب النسائية المنكوب زائغ العينين ناشف الريق: دكتور دكتور أعمل هنا منذ ست سنين، ولو عملت ستين سنة أخرى فلن أستطيع توفير هذا المبلغ! لقد فرقع الخبر في كل مكان، فالأطباء يمسحون رؤوسهم بأيديهم رعبا فوق الرعب. التأمين يغطي في أحسن الأحوال نصف مليون ريال ولكن من يضمن أنهم سيدفعون؟. هذا المرة يجب أن يرفعوا الرقم. قال صديقي العتيق علي أن أؤمن الآن خمسة ملايين ريال أمام هذه السابقة. أنا أكتب ولا أعرف حيثيات الحكم تماما؟ ولماذا لم تكتف اللجنة بالدية مثلا، التي رفعت من مائة ألف بالأصل إلى ثلاثمائة ألف ريال؟ أهم ما في هذا الحكم أنه أدخل الرعب إلى مفاصل الأطباء، الذين هم بالأصل يرجفون. فضلا عن رجفة شركات التأمين واهتزاز سمعة المشافي. قال لي من أثق به: خلال هاتين السنتين من تتابع التحقيق ودراسة الملف حملت زوجة الشاكي من جديد؛ فجاء زوج المريضة الشاكي، إلى نفس المشفى، إلى نفس الطبيب يطلب التوليد؟ فارتج الطاقم الطبي رعبا وهلعا، وتخلصوا من الحالة تحت أي مسمى وذريعة بتحويل الحامل وما حملت إلى أقرب مشفى في أقرب مدينة، فمن يدري كم سيكون رقم التعويض القادم؟