بين قوس الولادة والموت تتقرر حياتنا، ولكن أخطر الدقائق هي الخمس الأولى بعد الخروج من الرحم؛ فإما كان أحدنا بشراً سوياً أو أعته أبله مشلولاً بقية حياته. في هذه الدقائق الأولى يقوم طبيب النسائية والأطفال بتحديد وضع الجنين بخمسة مؤشرات، تم اعتمادها في العالم منذ خمسينات القرن الفائت، وأخذت اسم مشعر أو مؤشر (أبجار Apgar) ولكن لمن يعود هذا الاسم فعلاً؟؟ هذا الاسم منسوب لطبيبة تخدير أمريكية اسمها (فيرجينيا أبجار Virginia Apgar) لفت نظري اسم (أبجار) وظننتها مع صديقي الجراح معاذ أن الكلمة جمع للحروف الأولى من المؤشرات الخمسة التي تحدد صحة الجنين من سقمه؛ لنكتشف أنه يعود لاسم هذه الطبيبة المبدعة. تأملت صورتها في «جوجل» فليس ثمة ملامح أنثوية. بشعرها القصير المقصوص غير المعتنى به أقرب للرجال منها إلى النساء، ولكنها دشنت فتحاً رائعاً من بوابات الطب، وأهدت العلم منظومة جديدة. كانت عاشقة علم ذكرتني ب (سالك) و(سابين) اللذين توصلا إلى تركيب لقاح البوليو (Polio) الثلاثي ضد شلل الأطفال. وأثبتت دور المرأة في صناعة التاريخ وإنجازات العلم وفتوحات الطب. قامت أبجار بتحديد أخطر مراحل حياة الجنين، حين يخرج من الرحم إلى الحياة، في الدقائق الخمس الأولى؛ فوضعت مؤشرات خمسة، كل مؤشر يأخذ رقماً صفرياً، أو واحداً، أو اثنين؛ مثل (تورد لون الجلد) فإن أزرقَّ هبط الرقم، فإن صاح وصرخ أخذ اثنين؛ فإن رفس وتحرك وقبض واستجاب للوخز والقرع على رجليه أخذ مزيداً من الأرقام؛ فإن ضرب قلبه أقرب للجرذان والفيران والعصافير كان رائعاً (قريب من المائة). (لون الجلد دقات القلب التوتر العضلي الاستجابة للإثارة الحسية والحركية التنفس) وهكذا بمجموع خمسة مؤشرات، يجب أن يصعد الرقم فيها إلى حواف العشرة ولا ينزل عن السبعة. فإذا كان مؤشر أبجار دون الرقم المطلوب كان إنذاراً بأوخم العواقب. هنا في هذه اللحظات يقرر مصير الإنسان ومستقبله جميعاً، وهو يخصنا جميعاً نحن معشر البشر، وكل الحيوانات بما فيها الماعز والخيل والسلاحف والأفاعي والعصافير. تابعتُ الرحلة الطبية لهذه الطبيبة المبدعة؛ فعرفت أنها لم تعمر طويلاً وماتت بعمر سبعة وستين عاماً (ولدت عام 1907 وماتت عام 1974م كلها بركة) (مقابل دبغي الأمريكي لبناني الأصل جراح الأوعية الذي عمر إلى 99 عاماً وبقي يمارس مهنته قريباً من هذا العمر). درست في (مونت هوليوك Mount Holyoke) وتخرجت عام 1929 من جامعة كولومبيا طبيبة تخدير. ثم عملت ماجستير في جامعة هوبكنز صحة عامة عام 1953م. تابعت هذه الطبيبة الرائدة بعشق وغرام ملاحظتها على الأطفال حديثي الولادة ومؤشرات الخطر. في الحقيقة لا أعرف تماماً لماذا ركزت على هذه النقطة بالذات لتخرج بالنهاية ومن خلال عمل إحصائي هائل ولعشرات السنوات بمؤشرها الذي أخذ اسمها ورفعها إلى الشهرة من حيث لا تريد وحفر اسمها في الخالدات فبهداههن اقتده.