تشير الإحصائيات إلى أن التغيير في العالم يتم خلال ثوانٍ، في جميع جوانب الحياة سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو الجغرافية أو غيرها. وقد يتساءل بعضهم كيف يتم هذا التغيير وبهذه الصورة الكبيرة! في حين أن كثيراً من المجتمعات تخشى التغيير لأنه في تصورهم الإقدام على مجهول، والنفس البشرية تعادي كل ما هو مجهول لديها، وأيضاً لوجود تصورات خاطئة عن التغيير وأنه يستلزم نقض الثوابت وسلخها، بينما هو في الواقع استيعاب للمتغيرات في ظل الالتزام بالثوابت. في الواقع هذا التغيير ليس اختيارياً سواء كان على المستوى الفردي أو الجماعي، بل هو واقع يفرض نفسه، فكما قيل التغيير هو الشيء الثابت في الحياة، سواء علم به الفرد أم لا، فأنت عندما تمر عليك دقيقة فقد نقص من عمرك وحصل التغيير، وهذا من جهة التغيير الخارجي المؤثر بفعل قوى خارجية عن مقدور الفرد، لذا عند حديثي عن التغيير أعني به التغيير الذي يأتي من داخل الفرد والمنبثق من همته وشخصيته وليس التغيير الخارجي. إن خوفنا من المجهول أو المستقبل يجب أن لا يثنينا عن التغيير، فعند الإقدام على أي عمل يتوجب طرح سؤالين؛ الأول ما هو أفضل شيء قد يحدث لو قمت بهذا العمل، والثاني ما هو أسوأ شيء قد يحدث إذا قمت بهذا العمل، ثم المقارنة بين أفضل وأسوأ شيء في ظل المصالح والمفاسد، وكما هو معروف فإن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة. وأيضاً فإن مما يعين على تبديد الخوف من المجهول هو العمل على التغيير المخطط والمنظم، وكما قيل التغيير آتٍ لا محالة فاجعله بتخطيط. ومما تجدر الإشارة إليه أن في التغيير مواكبة للعصر ومعالجة للمشكلات التي تنشأ من خلال الحاجة إلى التطوير، فكل عمل نقوم به من الطبيعي أن يتخلله نقص أو خطأ فيحتاج منا إلى العمل على تغييره في ظل وجود حلول جذرية له، وكما قيل من لم يتقدم يتقادم وربما يفنى. وقد يتساءل بعضهم هل يجب علينا التغيير كأفراد؟ فكما أسلفت أن التغيير ليس اختياراً شخصياً بل هو واقع يفرض نفسه سواء على المؤسسات أو الأفراد، وذلك نتيجة ما صار إليه العالم من تقارب وتجاذب في ظل العولمة بمفهومها الحديث، ومن ثَم لن يسير أحد منهم ضد التيار، بل إن أي تغيير حقيقي يحصل في ناحية من العالم، يطال الجميع بلا استثناء، يبقى أن هناك من يستفيد من هذا التغيير ويوظفه في صالحه ويبقى من لم ينتفع به أو يسخره في منفعته. ومع الأسف فإن كثيراً من الناس يجهل نقطة البداية للتغيير ومن أين المنطلق، يقول سقراط: (لكي نحرك العالم… علينا أولاً أن نحرك أنفسنا)، ويقول الدكتور صلاح الراشد: (من لا يملك السعادة في نفسه، فلن يجدها في الخارج… التغيير يبدأ من الداخل). لذا فإن التغيير الذي يجب أن يطمح ويسعى له الفرد هو التغيير الذي يبتدئ من النفس متدرجاً نحو العائلة ثم المجتمع ثم العالم كله، ومع الأسف فإن كثيراً من الناس قد أضاع عمره في محاولة للتغيير، وذلك بعكس المعادلة، فأراد للعالم التغيير فلم يفلح ثم توجه إلى تغيير مجتمعه فلم يفلح ثم رأى أن باستطاعته تغيير عائلته وهم من يحبهم ويحبونه فلم يستطِع، فكتب في آخر مذكراته ولو أني كنت البداية وغيرت من نفسي أولاً لتغير العالم. ومن جميل ما يذكر عن التغيير أنه لا يعرف وقتاً معيناً، فمدته في الواقع هي عمر الإنسان، وهو ليس فرض مرة في العمر، ولكنه عملية استمرارية سواء كانت بمنهجية أو عشوائية، لذا فإن غرس هذا المفهوم في أذهان الأجيال أمر مطلوب مع الاستمرارية في تكراره وطرقه في مختلف وسائل الإعلام. إن من يسعون إلى التغيير والتطوير لا يتعجلون النتائج، فهم على ثقة بها وأنهم يسلكون الطريق الصحيح، فكم من شخص كانت نتائج عمله وسعيه نحو التغيير بعد وفاته في حين أنه كان في حياته كالوقود يحترق كي ينير للآخرين نحو عالم التغيير، ومن يسعى إلى التغيير الحقيقي لا يعلم حقاً متى تهب رياح التغيير، ولكنه على يقين بذلك. فالمحفزات والدواعي للتغيير عديدة ومتنوعة، ولعل أحدها كفيل بالتغيير دون مجموعها، ولعل من أخطرها الصدمات، فالصدمات غالباً ما تكون ذات فاعلية وإنتاجية عالية، لكن ليس لغالب الناس، فالغالب من الناس تُحدث لهم الصدمات نوعاً من الإحباط يجعلهم يتراجعون إلى الوراء بدلاً من التقدم نحو الأمام، بالطبع ليس كل الناس يكتب لهم النجاح في التغيير، وهذه سنة الحياة (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) النحل: 71، ولكن كما قيل شرف المحاولة، وأيضاً فالجميع متساوون في فرص النجاح، يشهد لهذا الواقع أنه كم من غبي ثري وكم من ذكي فقير، فلا ذاك أثراه غباؤه ولا هذا أفقره ذكاؤه، فإن الفاشل ليس ضد الناجح، ولكن الفاشل الذي لم يحاول، وفي الحقيقة لا يوجد في قاموس الناجحين فشل، وإنما هي تجارب وخبرات. أخيراً .. لنعلم أن الناجحين والطموحين لا ينتظرون موجة التغيير الشاملة التي تضرب بأطنابها وعورة المجتمعات بأكملها، بل هم من يبادرون ويقدمون ولو تخلف ركب مجتمعاتهم نحو الأفضل، بل إن سعيهم نحو التغيير هو عملية تغيير للمجتمع في الوقت نفسه، ولكن بعزيمة الفرد الأمة لا أمة المجتمع، قال تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) النحل: 120.