سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جواز القيام بالحسبة من الفساق والنساء والعبيد تطوعا بلا ولاية
نشر في المدينة يوم 06 - 04 - 2012


المبحث الثاني: شروط الحسبة، وآدابها
ويشتمل على مطلبين:
المطلب الأول: شروط الحسبة:
للحسبة شروط متعددة، يمكن تلخيص أهمها في العناصر التالية:
العنصر الأول: الإسلام:
وهذا ظاهر لأن الحسبة ولاية، وما يقوم به المحتسب هو من الواجبات الدينية التي تقام لنصرة الدين، وهذا لا يكون من الكافر، وأيضًا فلا ولاية للكافر على المسلم.‏
قال تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) [النساء: ‏141].‏
العنصر الثاني: التكليف:
الحسبة واجب شرعي، والوجوب حكم يختص بالمكلف، ويراد بالمكلف: البالغ، العاقل .‏
وهذا شرط فيمن يراد توليته الحسبة، وإلا فإن غير البالغ، لو أمر أو نهي فإنه يقبل منه لأنها قربة وهو من أهلها كالصلاة والإحسان وسائر القربات وليس حكمها حكم الولايات حتى يشترط فيه التكليف. ويؤيد شرط التكليف أن غير البالغ لا يستطيع إزالة كثير من المنكرات، بل وقد لا يتقبله الناس، وبهذا فالقدرة تسقط في حقه، ولذا وجب في ولاية الحسبة تعيين البالغ العاقل.‏
العنصر الثالث: العلم:
إن الحسبة هي تبليغ بأوامر الشرع ونهي عما نهى الشرع عنه، وهذا مهمة عظيمة لا يتصدى لها إلا من علم من الشرع ما يعينه على الأمر والنهي. قال تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) [يوسف: ‏108]، والبصيرة هي: الدليل الواضح.‏
يقول الإمام ابن القيم : «إذا كانت الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها، فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به واليه، بل لابد في كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حد أقصى ما يصل إليه السعي. ويكفي هذا في شرف العلم أن صاحبه يحوز به هذا المقام، والله يؤتي فضله من يشاء».‏
فلابد في الحسبة من العلم بالمعروف والمنكر، والتمييز بينهما، كما لابد من العلم بحال المأمور وحال المنهي.‏
العنصر الرابع: القدرة:
وهذا الشرط من كمال حكمة الشرع، فالشارع لا يقصد إلى تحميل النفس فوق طاقتها، ولا يهدف إلى إدراك ما لا تستطيع، قال تعالى: ‏(لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) [البقرة: ‏286]، وقال تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا) ‏[التغابن: 16] ومن ذلك الحسبة، فإذا رأى المحتسب عدم قدرته في موضع على الاحتساب فإنه يسقط عنه الوجوب،ولهذا أصل شرعي، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده،فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».‏
ولكن لما عرف أن الحسبة لا تخلو من الأذى في الغالب، كما جاء في القرآن الكريم: (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) [لقمان: 17] فإنه ينبغي الصبر على الأذى، ومن المعلوم أن مقدرة الناس تتفاوت وطاقاتهم تختلف، وأيضًا فإن الأذى يختلف باختلاف الأشخاص، لذا كانت القدرة من شروط الحسبة.‏
وقد نص الحديث أعلاه على الاستطاعة، وأشير هنا إلى أن القدرة والاستطاعة قد جاءت بالمعنى العام فمن رأى عدم استطاعته فهذا يسقط عنه الوجوب، إلا أنه يشار إلى أن هناك أمورا لا ينبغي أن تمنع من الحسبة ولا أن تؤثر في قدرة الإنسان وذلك مثل: وقوع الإنسان في حرج مع عزيز عليه، أو هيبة الناس، فلابد أن تناط القدرة بتقوى الله تعالى والموازنة بين وقوع المنكر وقوع الأذى، وترجيح الراجح بحسب الإمكان وعلى ضوء ما ذكر.‏
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فالعالم تارة يأمر، وتارة ينهي، وتارة يبيح، وتارة يسكت عن الأمر والنهي والإباحة، كالأمر بالصلاح الخالص أو الراجح، أو النهي عن الفساد الخالص أو الراجح، وعند التعارض يرجح الراجح بحسب الإمكان».‏
العنصر الخامس: التحلي بالأخلاق الفاضلة:
وأهم هذه الأخلاق هي الأمانة المؤدية إلى أداء الحسبة على الوجه المطلوب، وإلى العفة وإلى الترفع عن أموال الناس.‏
ومن أهم الأخلاق أن يكون ذا رأي وصرامة وشجاعة وقوة في الدين.‏
فالولاية تتطلب الحرص والحذاقة ولابد لها من الهيبة، وذلك حتى لا يطمع الطامعون من أهل المنكر في المحتسب، وحتى يكونوا أكثر الناس اجتنابًا له.‏
وهذه الصفات مدعاة إلى تولي الولاية وأدائها على الوجه المطلوب.‏
وأشير في نهاية هذا المطلب إلى تولي الولاية وأدائها على الوجه المطلوب.‏
وأشير في نهاية هذا المطلب إلى أن العلماء اختلفوا في بعض الشروط هل هي معتبرة أم لا؟
وذلك مثل اشتراط العدالة، أو الذكورة أو الحرية، أو كون التولية من السلطان.‏
ويظهر، والله أعلم، أن هذه الشروط تعتبر في ولاية الحسبة لا في الحسبة المطلقة.‏
وعموم الآيات والأحاديث الدالة على الحسبة يشمل جواز القيام بالحسبة من الفساق والنساء والعبيد تطوعًا بلا ولاية، وأيضًا فلا بأس من تولية المرأة الحسبة في مجتمعات النساء فقط. والله أعلم.‏
المطلب الثاني: آداب الحسبة:
إن عمل الحسبة هو عمل تعاوني يهدف إلى إصلاح حال المجتمع، وفيه مواجهة بين أفراد المجتمع، وأفراد المجتمع حلقات عدة تختلف باختلاف الأشخاص والأماكن، وحتى يؤدي المحتسب دوره على وجه أكمل، فهناك جملة من الآداب تعين المحتسب على أن يكون عمله مقبولًا لدى رب العالمين أولًا، ثم لدى الناس ثانيًا. ومن هذه الآداب ما يلي:
العنصر الأول: الإخلاص:
وهو أساس كل الأعمال الصالحة، فالمسلم يبتغي بأعماله وجه الله تعالى ورضاه، فيكون احتسابه خالصًا لوجه الله تعالى، ونيته هي تطبيق أوامر المولى جل وعلا، واجتناب نواهيه، لا يريد بعمله السمعة ولا المال ولا المنصب، فإن أخلص لله تعالى فإنه سيأخذ نصيبه من الدنيا، وسيكتب له الله تعالى نصيبًا وأجرا يدخره له في الآخرة. قال تعالى: (قل الله أعبد مخلصًا له ديني) [الزمر: 14] وقال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) [البينة: ‏5] ويجتمع مع الإخلاص، أن يكون العمل صوابًا، وهو ما يسمى بالمتابعة أي يكون العمل وفق ما جاء به الشرع.‏ قال تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) [الكهف: 110].‏ وتحدث شيخ الإسلام ابن تيمية عن الإخلاص والمتابعة وأنهما شرط لقبول العمل ثم قال: «وإذا كان هذا حد كل عمل صالح، فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يجب أن يكون هكذا في حق نفسه».‏
العنصر الثاني: القدوة:
وهو من دواعي قبول الناس للدعوة، ولذا فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بشيء إلا وهو متمثل به قبل أمته، ولا ينهى عن شيء إلا وهو مجتنب له قبل أمته.‏
والناس ينظرون إلى المحتسب نظرة إجلال وتقدير، فإن كان مطبقًا لما يدعو له سهل عليهم الاستجابة وإن كان غير ذلك أعرضوا عنه ولم يقبلوا منه النصح، قال تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) [البقرة: 44] وقد جاء الخبر بالوعيد على من خالف فعله قوله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ‏»يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان، مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهي عن المنكر وآتيه».‏
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة، قال تعالى: ‏(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا) [الأحزاب: 21].‏
ومن ثم فإن على المحتسب أن يكون قدوة بعمله متمثلًا لما يأمر به ومنتهيًا عما ينهى عنه، قبل أن يطلب من الناس الامتثال وقد أحسن من قال:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
فإن انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل إن وعظت ويقتدي
بالقول منك وينفع التعليم‏
ثم يدعو الأقرب من أهله وقرابته فالأقرب وهكذا، وهذا نهج الأئمة الصالحين، والدعاة المصلحين.‏
العنصر الثالث: الحكمة:
ينبغي للمحتسب أن يتحلى بالحكمة وقد قيل في معناه أحد عشر قولًا.‏
والحكمة تعود إلى الفهم والعقل والإصابة في القول.‏
والمراد من وجود الحكمة لدى المحتسب أن يعرف متى يدعو ومن يدعو وكيف يدعو والأثر المترتب على دعوته وقد جمع الله تعالى بين الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالأحسن فقال عز من قائل: ‏(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) [النحل: 125].‏ والحكمة تساعد المحتسب فيما يتخذه مع المخالفين من عفو وعقاب وأن يعمل بالحزم في مواضع ويعمل باللين في مواضع.‏
ولأهمية الحكمة جعلت مرتبتها عالية، ولا توجد في كل شخص، وعلى الإنسان أن يبذل أسبابا شرعية ليؤتيه الله الحكمة وذلك مثل طاعة الله وتقواه والإخلاص له وسؤال الله بإلحاح.‏
ويؤكد على مكانة الحكمة قوله تعالى: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرا) [البقرة: 269].‏
ومما يدخل ضمن الحكمة هو الرفق والحلم والأناة فهذه من دواعي قبول المحتسب والاستجابة له.‏ قال تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) [آل عمران: 159].‏
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه».‏ «وليكن متأنيًا غير مبادر إلى العقوبة، ولا يؤاخذ بأول ذنب يصدر منه، ولا يعاقب بأول زلة تبدو، لأن العصمة في الخلق مفقودة فيما سوى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين».‏
العنصر الرابع: العدل:
وهو مقصد رباني، وهو من أسس الإسلام، ينبغي مراعاته في كل الأحوال وكل الأعمال.‏
فعلى المحتسب أن يكون عادلًا غير جائر، ولا يحابي أحدا في دين الله، وعليه أن يساوي بين من يعرفهم وبين من لا يعرفهم، وعليه أن يعامل الناس بهذا المبدأ الشرعي.‏
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد». وقال تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) [المائدة: ‏8].‏
العنصر الخامس: الصبر:
ويقصد به الصبر على ما يراه من منكرات فلا يجزع، فهذه حال البشر تتقلب بين خير وشر، وأن يصبر على ما يواجهه من أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فالناس مختلفون في قبول الأوامر والنواهي، فهناك من يقبل وهناك من يعرض بدون أذى، ويوجد من يرد بالقول ويؤذي المحتسبين بلسانه، وأشد منه من يؤذيهم بنفوذه. وعليه فإن المحتسب لابد أن يكون على دراية بأن عمله يحتمل الأذى فيقابل الأذى بالحلم والصبر، وله الأجر الأكبر والثواب الأعظم، وذلك كما جاء في وصية لقمان الحكيم لابنه في قوله تعالى: (يا بني أقم الصلاة وآمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) [لقمان: 17].‏ وقال تعالى: (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين) ‏[الأنعام: 34].‏ وقال تعالى: (إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) ‏(يوسف: 90).‏
تلك هي أهم شروط الحسبة وآدابها التي ينبغي التحلي بها لتؤتي الحسبة أكلها صلاحًا وإصلاحا في شتى مناحي الحياة, ولتحقق آثارها بالسعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة.
المبحث الثالث: تعزيز الحسبة، وسبله، ووسائله:
مما لا شك فيه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام أمان وطوق نجاة لهذه الأمة، حيث يحفظها من انهيار الأخلاق، وفساد الأعمال والمعتقدات، وهو عز وشرف لها، وسبب خيرتها، لذا وجب على الأمة التمسك بهذا الشرف العظيم والعمل على تعزيزه وتوطيد أركانه بشتى السبل ومختلف الوسائل.‏
وفي هذا المبحث بيان لأهم سبل ووسائل تعزيز ثقافة الحسبة لدى المحتسبين خاصة وأفراد المجتمع عامة، سائلًا المولى – سبحانه – السداد والتوفيق.‏
المطلب الأول: تعزيز ثقافة الحسبة لدى الجهات الاحتسابية:
إن مسؤولية الجهات الحسبية عظيمة، ومهمتهم كبيرة وحاجتهم إلى العلم بحقيقة ما يأمرون به، وما ينهون عنه أعظم، حتى يكون أمرهم واقعًا على علم وبصيرة وتعزيز ثقافة الحسبة لديهم أمر حتمي ومطلب ضروري، وهم بمعرفة الحسبة وآدابها أجدر وتوعيتهم بشروطها وأحكامها أليق ويمكن أن نلخص أهم وسائل تعزيز الحسبة لدى الجهات الحسبية في العناصر التالية:
بيان أهمية الحسبة وحاجة المجتمع إليها:
من المعلوم أن معرفة النتيجة تحفز على العمل، وكلما عظم الأثر زادت همة العامل في العمل وأمر الحسبة عظيم جلل، فبه تقوم الشريعة جمعاء، وتحفظ أحكامها فتزداد استقواءً وهي وظيفة الرسل والأنبياء فجميعهم أمر بالمعروف ونهى عن المنكر بإخلاص ورجاء لهذا فهي سنة شرعية، وشعيرة إسلامية فيها صلاح الأفراد والمجتمعات وعلاج ما في الأخلاق من المفاسد والآفات وإصلاح ما في المجتمعات من المحدثات والمنكرات، وسبب للنجاة من عقاب الله تعالى، واستجابة الدعوات حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏»والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم». وروى البخاري في صحيحه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وأن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا».‏
فلا صلاح للمجتمع ولا فلاح لأهله إلا بالحسبة، فإذا علم المحتسب هذه الحكم والمعاني، واللطائف والمباني، زاد بعمله تمسكًا واقتناعًا، وقويت عزيمته وقام بالأمر والنهي، كما أمر الشرع لأن قدوته في هذا هم الأنبياء والرسل – عليهم أفضل الصلاة وأزكى سلام-.‏
بيان فضل المحتسبين وأنهم أهل للرحمة والفلاح:
وصف الله تعالى الذين يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالفلاح فقال سبحانه: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (آل عمران 104) وقال سبحانه: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) (الأعراف: 157)‏‏.‏
وكما أنهم أهل الفلاح فهم أهل لحرمة الله - تعالى –قال سبحانه: ‏(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) (التوبة: 17) فقوله تعالى: (أولئك سيرحمهم الله) نتيجة لما سبقها من أعمال فإنهم لما أدوا هذه الأعمال كانوا أهلا لرحمة الله تعالى.‏
توعية المحتسبين بآداب الاحتساب:
للحسبة شروط شرعية وآداب مرعية يجب أن يتحلى بها كل محتسب، وتنقسم هذه الآداب إلى قسمين الأول: آداب يجب أن يتحلى بها المحتسب في نفسه:
كالإخلاص لله – تعالى – فيتجرد من الأمور الدنيوية والمصالح الشخصية، كما يجب عليه أن يكون مؤهلًا تأهيلًا علميًا ليرد على الشبهات التي ترد عليه ويتحلى بمكارم الأخلاق وصالحها كالصبر على الأذى وتحمل جهل المخالفين والحلم والأناة والجود والكرم والشجاعة والعفو والصفح.... إلخ وغيرها من صفات أهل الإيمان والتقوى والصلاح، لأنه سيكون قدوة لغيره وسيبلغ شرع ربه للناس فيجدون فيه مثلًا ونموذجًا لما يقول لهم فلا يكون حاله كحال من قال فيه الشاعر:
يا أيها الرجل المعلم غيره
‏ هلا لنفسك كان ذا التعليم‏
‏ تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى‏
‏ كيما يصح به وأنت سقيم‏
ونراك تصلح بالرشاد عقولنا
‏ أبدا وأنت من الرشاد عديم‏
‏ ابدأ بنفسك فانهها عن غيها‏
فإذا انتهيت عنه فأنت حكيم.‏
الثاني: آداب يجب أن يتحلى بها المحتسب مع المخالفين.‏
وهذه الآداب في مجملها هي آداب الدعوة إلى الله تعالى قال سبحانه: ‏(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) ( النحل152) فهذه الآية جمعت آداب الدعوة إلى الله تعالى وبينت كيف يدعو الداعي إلى الله تعالى ومراحل الدعوة وتدرجها حتى يكون على بصيرة من أمره.‏
قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية «هذه الآية نزلت بمكة في وقت الأمر بمهادنة قريش، وأمره أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف ولين دون مخاشنة وتعنيف وهكذا ينبغي ان يوعظ المسلمون إلى يوم القيامة فهي محكمة في جهة العصاة من الموحدين ومنسوخة بالقتال في حق الكافرين وقد قيل إن من أمكنت معه هذه الأحوال من الكفار ورجى بها دون قتال فهي محكمة والله اعلم).‏
المطلب الثاني: تعزيز ثقافة الحسبة لدى المجتمع:
لقد كتب الله لهذه الأمة الخيرية والفلاح، وخص منها دعاة الخير والإصلاح وجعل النصح والتعاون على البر والتقوى من أبرز سماتها وألزم واجباتها فقال سبحانه: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) (آل عمران: 104) فجعل الحسبة أصلا أصيلا، وأساسا متينًا متى ما قامت به الأمة عزت وسادت وانتصرت وقادت، لذا فمن الضروري تعزيز ثقافة الحسبة لدى المجتمع أفرادا وجماعات وذلك من خلال السبل الآتية:
التأكيد على أن صلاح الدنيا يكون بإقامة الدين.‏
إن القلوب إذا تداعت إلى أهواء الباطل والميل إلى الدنيا حصل التنافس وفشا الخلاف، وإذا انصرفت إلى الحق وإقامة الدين وأقبلت على الله تعالى اتحدت وجهتها وحسن التعاون والتعاضد.‏
فالدين جاء بما فيه صلاح الفرد والمجتمع. يقول الإمام الطاهر بن عاشور: (فالشرائع كلها وبخاصة شريعة الإسلام جاءت لما فيه صلاح البشر في العاجل والآجل، أي في حاضر الأمور وعواقبها وليس المراد بالآجل أمور الآخرة، لأن الشرائع لا تحدد للناس سيرهم في الآخرة ولكن الآخرة جعلها الله جزاء على الأحوال التي كانوا عليها في الدنيا... ولكن المتدبر إذا تدبر في تلك التشريعات ظهرت له مصالحها في عواقب الامور واستقراء أدلة كثيرة من القرآن والسنة الصحيحة يوجب لنا اليقين بأن أحكام الشريعة الإسلامية منوطة بحكم وعلل راجعة للصلاح العام للمجتمع والأفراد.‏
فالإنسان في حاجة دائمة إلى الدين لأن فيه صلاحه وصلاح شؤون حياته.‏ وعلى الفرد أن يعلم يقينًا هذا الأمر ويكون منه على ذكر دائم فإذا علمه وتيقن منه قبل نصح الناصح وتعليم المعلم وإرشاد المرشد، لأن الدين كله قائم على مصالح العباد في المعاش والمعاد وبه تتم السعادة في الدنيا والآخرة.‏
توعية الأفراد بأهمية الحسبة للفرد والمجتمع:
إن الحسبة حصن حصين للفرد وصمام أمان للمجتمع فإذا تعاون المجتمع على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دخلت عناصر الإفساد جحورها ونحرت مهاوي الأفكار من نحورها، واستقام أصحاب السلوك المنحرف واعتدل معتقدو الفكر المنحرف. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وكل بني آدم لا تتم مصلحتهم في الدنيا ولا في الآخرة إلا بالاجتماع والتعاون والتناصر، فالتعاون على جلب منافعهم، والتناصر لدفع مضارهم، ولهذا يقال: الإنسان مدني بالطبع فإذا اجتمعوا فلا بد لهم من أمور يفعلونها يجتلبون بها المصلحة، وأمور يجتنبونها لما فيها من المفسدة، ويكونون مطيعين للآمر بتلك المقاصد والناهي عن تلك المفاسد فجميع بني آدم لا بد لهم من طاعة آمر وناه... واذا كان لا بد من طاعة آمر وناه فمعلوم أن دخول المرء في طاعة الله ورسوله خير له وهو الرسول النبي الأمي المكتوب في التوراة والإنجيل الذي يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث وذلك هو الواجب على جميع الخلق).‏
فللحسبة في الإسلام أهمية عظيمة، ومنزلة كريمة، لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يباشرها بنفسه ويقوم على أمرها ويتعهدها ويأمر بها، فلم يدع بدعة ولا قولًا يخالف صحيح ما جاء به إلا هدمه ومحاه وبين بطلانه وضلال أهله ولم يترك بابًا من الخير إلا دعا إليه وحث عليه فهذا مضمون رسالته التي أرسله الله بها للناس وهذا قوام شعيرة الحسبة في الإسلام أمر بمعروف ونهي عن منكر.‏ (ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) (آل عمران: 58).‏
* إمام وخطيب المسجد الحرام
أستاذ الدراسات العليا الشرعية بجامعة أم القرى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.