مع إطلاق العنان لحملة الانتخابات الرئاسية المصرية، التي يتنافس فيها شخصيتان بارزتان هما عبد الفتاح السيسي القادم من قيادة الجيش والقوات المسلحة المصرية، وزعيم التيار الشعبي حمدين صباحي الذي حاز على المركز الثالث في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية السابقة، وهو الذي يحظى باحترام كبير في الأوساط الشعبية المصرية. يدخل آخرون غمار المنافسة الرئاسية، لكن المرجح أن تنحصر في الإثنين إن لم تحدث مفاجآت في منتصف الطريق. السؤال الأبرز الذي يناقشه المصريون وفي مقدمهم النخبة السياسية والاقتصادية: أي مصر يمكن أن تنبثق من رحم المنافسات الرئاسية؟ وماذا سيقدم الرئيس المقبل للاقتصاد الوطني بكل عناوينه؟ وأي دور لمصر في الوطن العربي بعد الانتخابات الرئاسية؟ وما مدى قدرة مصر على أن تكون عنصراً رئيساً في واقع ومستقبل الأمة العربية بعد أكثر من أربعة عقود من غياب الدور الفاعل؟ وأسئلة كثيرة أخرى تفجرت مع سقوط نظام مبارك ومن ثم تعثر الرئيس المخلوع محمد مرسي ودخول البلاد في مرحلة انتقالية ورئيس مؤقت واقتصاد لايزال يعاني من تبعات سقوط النظام السابق فيما عدم الاستقرار الاجتماعي يفعل فعلته في قطاع السياحة الذي تعتمد عليه مصر اعتماداً كبيراً في توليد فرص العمل الجديدة وإشاعة الاستقرار، فضلاً عن تراجع الاستثمارات المحلية والأجنبية، اللهم الاستثمارات الخليجية التي تشكل الودائع المصرفية في البنك المركزي المصري عموداً فقرياً لها. تأتي هذه الأسئلة وغيرها في ظل وضع اقتصادي مترد تسعى الحكومة الراهنة إلى الاستعانة بالخارج المالي لتشكيل حائط صد أمام تراجع مخزون مصر من العملة الصعبة. وهي حالة لايمكن التقليل من خطورتها في ضوء الأداء الاقتصادي الذي لايزال دون المستوى، ويحتاج إلى رافعات عملاقة يمكنها مواجهة الانحدار في القطاعات الاقتصادية، وخصوصاً توفير السلع الرئيسة عبر إنتاجها محلياً بما يكفي مصر من الخبز الذي تستورد أغلب احتياجاتها منه من الخارج، ما يضعها أمام ضغوط قد لاتكون قادرة على ردها في ظل هذه المعطيات الحرجة. في الطريق إلى الرئاسة المصرية تبدو عناوين شكلها المصريون على هيئة أسئلة جزء منها ما ذكر أعلاه، لكن المفصل الرئيس في كل هذه المعمعة هو كيف يمكن انتشال الاقتصاد المصري ليكون حيوياً ومنتجاً وموفراً للفرص الجديدة من العمل. وهذا ما سجله الشعب المصري بمختلف فئاته وخصوصاً الشباب الذي يتوق إلى تطبيق أهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير في العيش بالكرامة والحرية والديمقراطية الحقيقية وقطع الطريق على أزلام النظام السابق من العودة من بوابة المنافسات الانتخابية والتمويل الذي بدأت أوساط في مصر تتحدث عنه وكأنه أمر واقع تنشره الصحافة في صيغ عدة. المشير السيسي وبعد أن أمن أضعاف العدد المطلوب حيث جمع أكثر من 200 ألف توكيل داعم لحملته ومرشح له، بينما المنافس الرئيس حمدين صباحي قد بدأ جمع العدد المطلوب وهو 25 ألف ناخب. السيسي لم يضيع الوقت في ظل تأمين الخطوة الرئيسة الأولى التي ستقوده للقصر الرئاسي، فقد كان لقاؤه بالمجلس القومي للمرأة محطة مهمة قدم فيها رؤيته لما هو مطلوب منه في حالة إذا بلغ كرسي الرئاسة. المشير السيسي المرشح للرئاسة أكد هذا اللقاء على أنه «لاعودة للوراء، والشعب المصري الذي خرج في ثورتين عظيمتين لايمكن لأحد أن يسيطر عليه أو يتحكم في مصيره»، في إشارة واضحة إلى رد التهمة التي تتداول في الصحافة المصرية من أن أقطاباً في نظام مبارك يدعمون حملة السيسي وأنهم خصصوا 71 مليون جنيه مصري من أجل ذلك. ولم يتوقف المشير عند هذا الحد، بل إنه جزم بأنه «لن يستطيع أحد استدعاء ماقبل ثورة 25 يناير، ولن نسمح بذلك مهما كانت الظروف والتحديات (..) ولا مكان للحكم الشمولي في مصر على الإطلاق». ولأن الفترة حرجة اقتصادياً ومالياً لمصر فهو أكد على أن «كثيراً من المظالم والمشكلات والقضايا التي تعترض طريق 90 مليون مصري في الفترة الحالية (..) وأن مصر تحتاج مبالغ مالية تتراوح ما بين 3 إلى 4 تريليون جنيه ( أكثر من 570 مليار دولار) لحل مشكلاتها في الوقت الراهن». هذه التصريحات تفيد بأن مسألة الديمقراطية والوضع الاقتصادي هي التي تشغل بال أقوى المرشحين للرئاسة المصرية، وهي أيضاً تشغل المنافس الرئيس حمدين صباحي الذي أكد أكثر من مرة على أن ما تعانيه الفئات محدودة الدخل لايمكن القبول به وأن واقع العمالة المصرية ليس على ما يرام. وأكد أنه إذا حالفه النجاح فإنه لن يترك عاملاً يعاني من الواقع الصعب الذي يعيشه اليوم. الحالة الاقتصادية المتردية ليست مفصولة عن العلاقة مع المحيط العربي والمستثمرين الأجانب. فكما أسلفنا القول فإن أغلب المساعدات تأتي على طريقة ودائع للبنك المركزي وقليل منها يذهب إلى الاستثمار في القطاعات المالية والاقتصادية، وهو ما يضع على المتنافسين الإجابة على السؤال المركزي على المستوى العربي: أين ستكون مكانة مصر في الوطن العربي؟ وأي دور يمكن أن تلعبه إذا نفذ المترشحون للرئاسة ما يصرحون به حالياً وخصوصاً مسألة عدم العودة إلى ما قبل ثورة 25 يناير ورفض الحكم الشمولي الذي كان يقبض على مصر قبل الثورتين. لاشك أن العرب ينظرون إلى مصر بثقلها البشري والجيوسياسي بأنها قادرة على لعب دور قيادي للملمة التشرذم العربي الحاصل وتراجع القضية الفلسطينية إلى الدرك الأسفل لأسباب كثيرة منها الخلافات بين حركتي فتح وحماس، وطريقة إدارة قطاع غزة بصورة شمولية نفرت الفصائل المنافسة لحماس ووضعت الشعب الفلسطيني تحت قبضة الأيديولوجية الحمساوية، وهذا أمر لم يعرفه الشعب الفلسطيني من قبل، حيث كان من الانفتاح والحضارية ما كان يضرب به المثل. وحتى تحسم معركة الانتخابات الرئاسية ثمة كثير على المتنافسين قوله والتحضير له .. لكن على العرب كثير للوقوف مع مصر الجديدة القائمة على التعددية السياسية وتداول السلطة بشكل سلمي والشروع في بناء الدولة المدنية الديمقراطية. وهذا هو التحدي الذي يواجهه المترشحون جميعاً.