عاد كثير من الشباب من معرض الكتاب، مُحملين بالروايات المحلية والدولية الحديثة، التي تمت قراءتها بنهم، الواحدة تلو الأخرى. المثير للانتباه أن عدداً جيداَ منهم لم يشتر إلا روايات مع أنه دخل عالماً مملوء اًبمصادر المعرفة والثقافة المتعددة. لا بأس، ربما شبابنا اليوم يميلون إلى الأسلوب القصصي سواء الواقعي أو الخيالي، وهذا حق مشروع لهم. ولكن أن يتهافت عدد كبير من القراء الشباب على روايات تعرض الرذيلة، لتبرز قضايا المجتمع المخبأة خلف الجدران الموصدة، فيحققوا مبيعات هائلة! فذلك أمر لافت للانتباه!. والصواب، أن حياتنا الواقعية مملوءة بالفضائل والرذائل على حدٍ سواء، فلماذا نهتم كثيراً بقضايا الرذيلة، توقاً لقراءة الواقع المستور خلف الأقنعة، ونغفل عن اقتناء ما يثري عقولنا بالفضيلة النبيلة. عالم الكتب والقراءة فضاء شامل، يجمع الأضداد والمتشابهات، فلماذا يسمّ شبابنا أنفسهم بأنفسهم! صدفة جميلة، أني رأيت قُصاصة لأحد الأقلام الناشئة، يكتب آية قرآنية ويسبقها بعبارة ثائرة أو نافية للنص القرآني! ربما تفاقمت حالة الغضب عند شبابنا اليوم بشكل مُثير للتبسم أو التألم، كلاهما سيان! هذا ما لاحظته على أحدهم بعد أن كرس وقته لقراءة روايات تعج بالجراءة الفاضحة في مجتمع ما زال يدعى «محافظاً»، فهو لا يختار إلا كُتاباً عُرفوا بالتمرد على أنظمة المجتمع، فوصلوا إلى الذات الإلهية أحياناً. وبصراحة متناهية لست ضد الخروج على السائد في المجتمعات إذا كان فيه منفعة، ولكن الفوضى والتخبط أمر مرفوضٌ أيضاً. إن التركيز على لون واحد من القراءة، والانسياق خلف نوعية متشابهة من الكٌتاب، يجعل القارئ أسيراً لهذا الأفق الواحد، الذي يحد من تفكيره. ومن هنا ليتنبه قراؤنا الشباب إلى أهمية التنويع في القراءات، فمساحات الشباب الفكرية واسعة جداً، كما أنها عالية أيضاً، وهي بحاجة إلى شيء من التوازن، لتبرز ملامحها في محاولات الكتابة، سواء للناشئة أو المتمرسين. ولدينا أمثلة كثيرة تبين تأثير أفكار الكاتب على قُرائه، فبالملاحظة السريعة، نرى شخصيات شابة، تطغى على أحاديثهم وكتاباتهم المنطقية والموضوعية، بينما آخرون يصرخون ويثورون ونراهم ناقمين متمردين دائماً، وما أسهل التمييز بين التيارين. التكرار، الذي يعتبر علاجاً في بعض الأحيان، هو مسبب للمرض في أحيانٍ أخرى، حيث إن العقل اللاواعي يتأثر بتكرار الصور والعبارات لأحداث الرذيلة التي يقرأها، ومع رفض العقل الواعي للتصرف إلا أنه يترسخ في العقل اللاواعي، ولهذا نجد استنساخا متكررا لنفس المشكلات والقصص. لأن القارئ تأثر بتكرار المشهد اللا أخلاقي أكثر من لحظة العاقبة التي عُرضت لمرة واحدة كنهاية للقصة. وهذا التأثير لاحظناه مع الإعلام المرئي، المحلي أو المستورد، لم يتعلم المشاهد شيئاً من عواقب مسلسل طويل، بقدر ما اكتسبه من تقليد للأحداث التي تعرض تسلسلياً. وحقيقةً، إن أهداف الكُتاب تتباين، بين من يذهب لكشف الحقائق المجتمعية بعرض الواقع الممنوع، وآخر يرى في عمله نوعا من التثقيف الذي يجب أن يُسمع صداه، وغيره يطمع في شهرة عالمية جراء الحديث بجراءة غير مسبوقة. وعلى الضفة الأخرى، يجب أن يكون للقارئ أهدافه الخاصة أيضاً، فهل اختياره لهذا النوع من المطبوعات جاء إشباعاً لفراغ عاطفي معين؟ أم استطلاعاً لما يحدث خلف الأسوار المزينة؟ أم أنه يبحث عما يثري لغته العربية بمفردات مسجوعة وبليغة فحسب؟ أم لأسباب أخرى! ليلتفت شبابنا، إلى نوعية المادة المقروءة، ليس المهم إن كانت رواية بثلاثمائة ورقة، أو كُتيباً لا يتجاوز المائة، الأهم هو المضمون الفكري الذي تختزنه هذه الأوراق، وليعلم القارئ أنه يتأثر دون أن يشعر، ولأننا نؤمن أن الكتاب هو الصاحب الذي لا يموت، نستطيع القول «قل لي ماذا تقرأ، أقل لك من أنت»، فكما نهتم بجودة ما نلبس، لنشدد على جودة ما نقرأ، هناك صناعات تقليد لماركات عالمية، وهناك أيضاً كُتاب تقليد لكُتاب عالميين، فلنعتنِ بتغذية أفكارنا. ومضة! يجب أن لا نغفل عن لمسة الكاتب الماهر، وهي الصبغة التي يصبغ بها قصصه الواقعية أو الخيالية، ليقنع بها القارئ! لكن الآخر يجب أن يكون حراً.