النفط يصعد 2% وسط مخاوف الإمدادات    إطلالة على الزمن القديم    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    «الولاء» يتفوق في تشكيلة الحكومة الأميركية الجديدة    وزير الرياضة يوجه بتقديم مكافأة مالية للاعبي فريق الخليج لكرة اليد    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    أرصدة مشبوهة !    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    ترمب المنتصر الكبير    فعل لا رد فعل    صرخة طفلة    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    العوهلي: ارتفاع نسبة توطين الإنفاق العسكري بالمملكة إلى 19.35% مقابل 4% في 2018    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    إحباط تهريب (26) كجم "حشيش" و(29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الشاعرة مها العتيبي تشعل دفء الشعر في أدبي جازان    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    الصقور السعودية    «المسيار» والوجبات السريعة    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    استهلاك عدد أقل من السجائر غير كافٍ للحد من الأضرار التي يتسبب بها التدخين    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كارثة جدة.. مأساة تنتظر على رصيف المبدعين

من المتوقع أن يكون قلم المبدع حاضرًا في المشهد الإنساني ومتفاعلاً مع ما يدور فيها.. ولعل كارثة «الأربعاء» التي حلّت بجدة لم تكن حدثًا عارضًا، بل حدث تكرر، وترتّبت عليها كثير من القضايا الاجتماعية.. والقصص الحقيقية، والصور المأساوية التي عرض بعضها على وسائل الإعلام المختلفة.. بما يدفعنا إلى السؤال عن دور الأدباء والمبدعين إزاء هذه الكارثة.. متسائلين: ألا تصلح هذه الكارثة بكل الأحداث التي صحبتها أن تكون مدخلاً لعمل روائي مميز، يكشف في ثناياها بحرفية روائية أبعاد ما جرى، بعيدًا عن لغة المباشرة والسرد الوصفي الظاهري والغوص عميقًا في تفاصيل هذه الكارثة..؟
كيف السبيل إلى تناول هذا الحدث عبر قصائد مشرقة توثق له بعيدًا عن لغة الهتاف والجمل الشعرية المكرورة، وتمضي بعيدًا في تصوير الحالات الإنسانية وما عانته وإضاءة جوانب غمضت عن الإدراك والنظر؟ والسؤال نفسه يتجه إلى إمكانية توظيف كافة فنون السرد الأخرى لتناول كارثة الأربعاء بشكل جديد ومبتكر، يقدم إضافة في كراسة الإبداع السعودي...
عدد من الأدباء والمثقفين قدموا رؤيته حول هذه القضية..
كارثة متجاوزة
الدكتور عبدالله الغذامي استهل الحديث بقوله: ما حدث في جدة يهم المجتمع بشكل عام وليس الأديب والمفكّر فقط؛ فما حدث كارثة إنسانية تتجاوز كل شروط الإبداع. وفي هذه اللحظة تتحد كل مشاعر البشر حول سلامة وأمان الإنسان. وكلنا جدة في هذا الموقف؛ فهو موقف صعب ومؤلم؛ خصوصًا أنها المرة الثانية التي تحدث مثل هذه الكارثة، فلو كانت هذه المرة الأولى لقلنا كارثة طبيعية؛ ولكن التكرار مشكلة كبيرة؛ خصوصًا والجميع يعرف أن ذلك بسبب قصور بشري في البنية التحتية لمدينة جدة. وهذا يجعلنا نتعاطف بشكل أكبر مع البشر. وأعتقد أن الأديب والشاعر والقاص والمثقف لا يختلف عن الإنسان العادي في مشاعره، ولهذا قد نرى منه ما يصوّر هذه الكارثة في مقبل الأيام بصورة من صور الإبداع المختلفة.
كتابة غير جاذبة
فيما يقول الدكتور عبدالمحسن القحطاني رئيس مجلس أدبي جدة: دائمًا يبدع الأديب للمستقبل ولا يرجع للماضي، وقد قرأنا رواية لأحد الروائيين السعوديين لا أذكر اسمه قبل كارثة جدة الأولى توقع ما حدث في روايتة، والمبدع لا يمكن أن يقف عند تسجيل الحدث فهذه مهمة المؤرخين والكتاب، فقد تناول الكتاب هذه الكارثة بشكل كبير، وأعتقد أن الرواية والقصة بعد الكارثة لن تستهوني لأنني قد شاهدت الحدث، فلذلك لا يكون لها حضور كما لو كانت قبل الحدث.
تفاعل المبدع
ويشير القاص محمد علي قدس رؤية القحطاني إلى ضرورة تفاعل الكاتب مع معاناة الناس في ثنايا قوله: الأديب المبدع إنسان قبل أن يكون كاتبًا أو شاعرًا أو قاصًّا مبدعًا، ولن يكون مبدعًا حقيقيًّا ما لم يتحسس معاناة الآخرين ويشعر بآلامهم، ويعبر عن همومهم وأحلامهم. كان الأديب الكبير نجيب محفوظ -رحمه الله- صاحب الروايات الأكثر شهرة وتأثيرًا في عقولنا وتفكيرنا، لا يبدع في كتابة عمل من أعماله ما لم يعايش واقعه، ويتأقلم في مناخه، كانت الساعات التي يقضيها في كازينو النيل والمقهى الشعبي في مقعد يقربه من الشرائح البسيطة من الناس، من أسعد الأوقات التي يقضيها في أي مكان وفي أي وقت من الأوقات. لأنه في تأملاته وتفرسه في الوجوه التي من حوله وفي التغلغل في أعماقهم ومعايشة ما يحسون به وما يعانونه. يحس بالراحة ويشعر بلحظة الصدق التي ينتظرها، وهو يكتسب من ذلك صدق وشفافية ما يكتب، لذلك كانت أعماله في ثلاثيته المشهورة (السكرية)، (بين القصرين) و(قصر الشوق ) ومعظم أعماله الأخرى (زقاق المدق)، (ميرامار) و (ثرثرة على النيل)، يشعر القارئ وهو يعايش أحداث تلك الروايات كما لو أنه جزء منها أو يتحرك في داخلها. وكذلك هي أعمال الروائي الكبير يحي حقي مثل (قنديل أم هاشم).
ويضيف قدس: إن المبدع لا يحقق نجاحه إلا بالوصول إلى عقل القارئ وقلبه. وليس الروائي والقاص وحده الذي لابد أن يكون إبداعه مستشفًا عن معايشة وإحساس بما يهم الناس ويلامس أحاسيسهم ويستشعر آلامهم، فالشاعر أيضًا له أثره ودوره في إلهاب مشاعر الناس وإلهامهم والشعور بمعاناتهم، فالشعوب العربية حتى الآن تجد في قصائد أبوالقاسم الشابي ما يعبر عن أمانيهم وآلامهم.. في ثوراته وأزماتهم، متمثلين بأبياته المشهوة:
إذا الشعب يومًا أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي
ولابد للقيد أن ينكسر
كذلك ما كان يعبر لنا به الشاعر نزار قباني، الذي وجدنا في كلماته ومفرداته ما تضمد به الجراح وتتفتق فينا مشاعر الوطنية الملهمة..
أحاول رسم بلاد
تعلمني أن أكون على مستوى العشق دومًا
فافرش تحتك صيفًا عباءة حبي
واعصر ثوبك عند هطول المطر
أحاول رسم بلاد
لها برلمان من الياسمين
وشعب رقيق من الياسمين
تنام حمائمها فوق رأسي..
وتبكي مآذنها في عيوني..
أريد بلادًا تكون صديقة شعري
ولا تتدخل بيني وبين ظنوني.
ويستطرد قدس في حديثه في بيان ما يجب أن يكون عليه المبدع مضيفًا: لن يكون الشاعر شاعرًا، ولا الروائي أو القاص كاتبًا مبدعًا وهو يكتب في برجٍ عاجي، أو خلف الأسوار، وفي مكان منعزل عن الناس. فأبيات القصيدة الصادقة المعبرة لابد أن تكون نابعة من شاعر مرهف، أحس بالألم واستشقى بعذابات الآخرين، وكاتب القصة أو الرواية لا تجد عنده جاذبية الحكاية، ولا تؤثر فيك شخوصه ولا تتفاعل معها ما لم يُمكنك من قراءة داخلهم وما يعيشه المتألمون منهم والكادحون والمعذبون في الأرض. وإذا كنا نجد بعض أعمال الروائيين، ما يكاد يتلامس مع هذه المستويات إلا أن معظمه يغرق في الإثارة ودغدغة المشاعر، حتى وإن كانت أحد وسائلهم من أجل ذلك، كشف المستور، إلا أن الإبداع الحقيقي أن يعبر الكاتب المبدع عن أزمات وهموم الآخرين والتعاطف مع قضاياهم في مشاهد إنسانية معبرة، تستقصى الحقيقة وتترصد الأحداث. وإذا كانت العواصف والكوارث أحد أهم محركات الإبداع ومن محفزاته القوية، فإن الإبداع الحقيقي في معايشة الأزمات والآلام كأنها أزمة الكاتب التي يعيشها وألمه الذي يعانيه..، حين يقول الشاعر ..
( أيا وطني: جعلوك مسلسل رعب
نتابع أحداثه في المساء
فكيف نراك إذا قطعوا الكهربا؟!) ،
فإننا حتمًا ندرك أن الشاعر المبدع، وضع نفسه في ذلك الألم المرعب كما لو أنه يعايشه..في أي وطن يعيش رعب الكارثة ويعاني من هول الفاجعة.
كاميرا دقيقة
ويرى الشاعر حسن الزهراني رئيس أدبي الباحة أن الإبداع لسان الأمة وسجلها التاريخي الأرقى، ماضيًا إلى القول: إن عين المبدع أدق وأرق العدسات؛ لذا فهي تنفذ إلى الاعماق وتلتقط التفاصيل الروحية التي تغفل عنها، وربما تعجز عن التقاطها أعين الناس، لذا أعتقد أن أحداث جدة ستخرج لنا كمًّا لا بأس به من الإبداع الذي سيخلد هذه الكارثة التي ألمت بالجميع واستثارات معها مشاعرهم وخلق تكرارها إحباطًا للجميع.
مختتمًا بقوله: إن ما شاهدناه وسمعناه يفوق الخيال، خصوصًا بعدما تكررت المأساة، فكانت أكثر إيلامًا لأننا توقعنا أن كل الاحتياطات اتخذت، ويزداد حزننا حزنًا عندما نرى قيادتنا الرشيدة وقد انفقت كل هذه المبالغ الطائلة ليعبث بها من لا يستحقون هذه الثقة الغالية.
نسج خيوط الكارثة
الشاعرة الإعلامية حليمة مظفر قالت: ما مرّ على جدة خلال أربعاء عامي 1430 و1432 من كارثة سيول أمطار جدة التي كشفت وجهًا آخرا في حياتنا وفضحت نوايا كانت تختبئ بيننا تعود لأصحاب الضمائر الفاسدة التي خانت أمانتها لتتحول العروس جدة إلى عجوز بفعل تراكم استلاب بنيتها التحتية، وحتمًا ما حصل خلال الكارثتين مؤثر لدرجة الألم وتكفي الصور وما تناقته الصحافة ومواقع الفيس بوك واليوتيوب من أحداث لأناس كانوا بيننا وتلاشوا في السيول أمام أعيننا غرقًا وبعضهم شردوا من بيوتهم وآخرين فقدوا ممتلكاتهم التي تضررت من حجم تلك السيول التي اخترقتنا دون أن نشعر وبشكل مفاجئ.
مضيفة: حتمًا مثل هذه الأحداث المؤثرة لا يمكن للمبدع الروائي والقاص والمسرحي والدرامي وحتى الشاعر إلا أن يتأثر بها فتترك لديه دافعًا في التعبير عنها بطريقة ما تجره إليها أدواته، ولا أعتقد أن في قادم الأيام سنرى رواية مستقاة شخوصها وأحداثها من مأساة السيول في جدة.. هناك قصص كثيرة كانت وما تزال أمامنا ولكن كيف يمكن نسجها سرديًا أو مسرحيًّا أو حتى شعريًّا فهذه تترك لما يتمتع به الروائي مثلا من طاقة فنية وسردية تمكنه من تجسيد خيط من خيوط هذه الكارثة.
سلاح اللاموت
وتؤكد الكاتبة والقاصة هدى المعجل أن المعايشة النفسية والروحية ضرورية جدًّا لمن يود التفاعل مع أحداث جدة سردًا أو نثرًا وشعرًا؛ كي لا يفقد العمل الإبداعي عنصر التأثير على المتلقي. فيصبح أشبه بالورد البلاستيكية يجذبك شكلها أو لونها وتناسقها لكنها لا رائحة لها تبثها في أرجاء المكان أو تدغدغ الأنوف.
مضيفة بقولها: الرواية كالشعر كالقصة كالمقال ككل عمل إبداعي يفترض في إنتاجه المعايشة ثم المعايشة، ولا أعني بها أن يخوض المبدع غمار السيول الجارفة ويعرّض ذاته للخطر كي يقدم عملاً مبتكرًا، بل أن يغمس ذهنه ولغته وإحساسه ومشاعره وخيالاته في دماء الحدث وقلبه النابض وبالتالي ينفصل عن واقعه الآمن المستقر وينتقل ذهنيًا وروحيًا إلى واقع من عانى سيول جده وقاوم حتى اللحظة الفاصلة بين الموت أو اللاموت.
مهمة من يرنو إلى عمل مبتكر يحاكي مأساة جدة أن يشحن ذاكرته بصور ذهنية ومشاهدات فلمية ويمعن أكثر وأكثر في الانهيارات النفسية لأهل جدة والتصدعات الروحية بأن يقرأ ما أمكنه قراءته من لقاءات ومشاهدات ووصف لمعاناة كتبت عن لسان من عانى وقاتل أو تقاتل مع السيول حتى قتلته أو كادت تقتله، أو حتى انتصر عليها فخرج بروحه من زوبعة الموت..
توظيف الحدث يتطلب من المبدع أن يكتب كما لو أنه يكتب وهو على (سفينة تيتنك) في مراحل غرقها الأخير.
لك أن تتصور روحك توشك أن تفقدها، جسدك على بعد خطوات من غرق وانغمار في قاع البحر، إلا أنك مصرٌ على إنهاء عملك الذي بيدك وفيه تصف لحظات الغرق الأخيرة وساعات المجالدة والمقاومة، مؤمنًا أنه إذا قامت الساعة وبيد أحدنا فسيلة عليه أن يغرسها.
خالصة إلى القول: المبدع يحتاج غيبوبة لاواعية، غيبوبة مجنونة لا تعي سوى واجب القلم ودور الحبر ومهمة الورق وخلاصة الذهن المبدع الخلاّق والتمركز اللغوي في قلب الحدث الثائر والمقاوم والمحارب للماء للسيل أو لجدة لأهل جدة وهم يحملون سلاح اللاموت يبارزون به السيل الجارف.
المولد الحقيقي
القاص جمعان الكرت نائب رئيس أدبي الباحة شارك بقوله: إن المعاناة هي المولد الحقيقي للإبداع، فالقصيدة الشعرية لن تكون حارقة وذات مشاعر فياضة ما لم تكن صادقة، وذات مشاعر جياشة، والرواية لن تكون مؤثرة ما لم تتغلغل في تلافيف المجتمع البشري، وتعرض قضاياه بطريقة غير مباشرة، والحال ينطبق على جميع الأجناس الأدبية الأخرى من قصة ومقالة وخاطرة ومسرحية، أما إذا جاءت من غرفة زجاجية، يحوطها قطع من السيراميك البارد، فحتما ستكون باهتة، باردة، شبه ميتة، لا تعيش، فلوعة الحب أيا كان نوعه حب عذري،أو حتى حب المكان، هو القادح للهيب القصيدة، والمعاناة الإنسانية هي المحضن الأساس للإبداع، وكارثة جدة لن تمر مرورًا باهتًا على المبدع الحقيقي لأنه يعيش لحظاتها المرة، يتحسس آلام الناس يستشعر أبعادها، يتألم لنتائجها. ونستطيع أن نستشف من خلال ما نُشر في الصحف أيا كان نوعها، ورقي أم الكتروني، إذ أتت المقالات صادقة ومعبرة عن كارثة المطر بالمدينة، متلمسة أحاسيس أهلها، والشاعر الذي يشهد لحظة كارثة الأمطار في جدة دون أن تفيض عاطفته بقصيدة ليس بشاعر، والروائي الذي لا يجسد تفصيلات الكارثة ويلتقط بمبضعه الحاذق ردود الفعل الجمعية والفردية أيضًا ليس بروائي، ونقيس الوضع على القاص والكاتب والمسرحي والفنان والرسام وغيرهم.
ويواصل الكرت حديثه مضيفًا: هنا يمكن رصد جماليات الحس الإنساني من خلال التعبير الصادق، ويمكن الانتقاء الأجمل لتُشكل إجمالا الإبداع المنشود الذي يضيف شيئًا للمعرفة الإنسانية. الشاعر البردوني حين وقف مُلقيًا قصيدته الشهيرة عن «صنعاء» في مهرجان الشعر العربي بالعراق، وقف الحاضرون في القاعة مصفقين معجبين بإنتاجه الإبداعي، وحسه الإنساني، وعاطفته الصادقة،دون تزييف أو مخاتلة. قال:
ماذا احدث صنعاء يا أبتي
مليحة عاشقاها السل والجرب
ويمكن بشيء من التحوير والاعتذار للشاعر المجيد البردوني أقول:
ماذا أقول عن جدة يا أبتي
مليحة عاشقاها السيل والخرب
منتهيًا إلى القول: ورغم فداحة الكارثة إلا أنني لم أقرأ إلى تاريخه نصًّا شعريًّا مُعبرا، وكأن الكارثة حدثت في نيكارجوا أو جزر الواق الواق. هذه جدة الروح، وعاشقة القلب، وحدقة العين، جدة الوجه الحضاري، وبوابة الحرمين الشريفين، وعروس البحر الأحمر، إذا ما ألهبت هذه الكارثة أحاسيس المبدعين، يا تُرى متى تتحرك وتتأثر مشاعرهم، سؤال يقفز من حشاشة القلب.
بلا روشتة علاج
ويقول القاص صلاح القرشي: لا أعتقد أن الأدب يمكنه تقديم روشتة علاج لأي مشكلة من المشاكل.. المبدع هو إنسان تسكنه قضايا مجتمعه ويمتلئ وجدانه بأحزان الناس وكوارثهم وتتبلور هذه الأمور في وجدانه لتخرج بطريقة غير مباشرة من خلال ما يكتب سواء رواية أو قصة.. لا يستطيع أي قاص أو روائي موهوب أن يقدم الكارثة بشكل تسجيلي أو يقترح حلولاً مباشرة من خلال أدبه.. لكنه وكأنسان يتأثر بما يرى لا بد أن ينعكس هذا عليه وعلى ما يكتبه ..
تأنّي مطلوب
ويشارك الشاعر محمد الفيفي بقوله: ما حدث في جدة من مأساة إنسانية تتجاوز تفاعل الإبداع المحلي عند الانصاف، ودون أدنى شك فنحن لمسنا التفاعل منذ اللحظة الأولى حين تكشفت الكارثة وبدى ملامح وجهها المكفهر وذلك عن طريق المقالة التي عبأت صفحات المطبوعات على اختلافها وتلك صورة من صور التفاعل الإبداعي.. وليس بالضرورة أن تطفو الرواية أو القصة التي تتناول هذه المأساة على السطح في وقت قياسي.. وإن كانت بالتأكيد ستظهر في حينها وأوانها.. بقي أن نعرف بأن الحوادث تُستوعب ويتم تناولها بالطريقة التي تبرزها وتكشف تداعياتها كالناحية الخبرية والنقدية.. دون أن نفصل لها قالبًا لا يخدمها كقضية لا تقبل الصناعة الكتابية المتأنية كالسرد.
مطر موت
وتشير القاصة تركية العمري إلى أنها كتبت عن سيول جدة في نص “مطر موت” والذي نشر في مجموعتها القصصية الثانية (الشيطانتان)، مضيفة بقولها: لقد تفاعل العديد من الأدباء مع سيول جدة، وحاولوا أن يوصلوا غضبهم عبر الشعر والسرد، وللأسف تعاد أيام الموت لتكون كارثة الأربعاء، هنا يتوقف المبدع وكأن الكارثة الجديدة أوقفت غضبه الذي صبه في كارثة سيول جدة 1430 وتمنى أن لا تتكرر، ولكن عندما تجدد حضور الموت في دروب جدة سيتناول المبدع الكارثة بطريقة أخرى سيرى المشهد بوجع آخر، حيث سيرى بعينيه حزن عيني مدينة لم تغنى سواحلها إلا للحب، وللحياة، وسيسمع بقلبه بكاء الأمهات اللواتي حاولن أن يشيدن منازل طمانينة وبهجة لصغارهن، وستنتصب حوله تساؤلات واستفسارات مخيفة. كارثة الأربعاء تجعل المبدع يلتصق بوطنه أكثر، بأنين أهل وطنه، ليرسم بإبداعه صرخته من أجل الحياة.
تغيير وجه العالم
وتستند القاصة مها النهدي إلى القول بأن المبدع ابن بيئته تؤثر فيه ويؤثر فيها، قائلة: من هنا فإن كل حدث هو مادة خصبة وملهمة يتناولها المبدع ويضعها في قوالب حسب تخصصه أو مجاله الإبداعي، ومن الضروري أن يساهم بفكره في إثارة جوانب خفية وإيضاحها للمواطنين ونقل صوتهم للمسؤولين وتفكيك وتحليل الأحداث، ومن ثم طرح حلول تساعد المتلقي في عملية التنوير.. و هنا تكمن الفكرة الأساسية لدى أغلب المبدعين (العملية التنويرية)، أخذ القارئ إلى تفاصيل مغيبة يستطيع من خلالها تجنب الكثير من الكوارث التي قد تحدث مرة أخرى، ولا يقتصر دوره محليًا؛ إنما يستطيع أن يصل بإبداعه إلى العالمية، وإلى رسالة لربما تغير وجه العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.