هاجم الروائي السعودي ماجد سليمان الروائيين الشباب، وقال إن ما لدينا اليوم نسخ مكررة من قصص الحب، وأخرى مشوّهة من أعمال يتيمة نجحت وتوقف أصحابها عندها، مخلفين وراءهم الكثير من الشكوك والتساؤل عن صدق رسالتهم الأدبية والثقافية. وأوضح في حوار مع «الحياة» أن الأدب السعودي لم يتطور إلا شكلياً. ولفت سليمان إلى أن روايته «دم يترقرق بين العمائم واللحى» التي صدرت عن دار الانتشار، ترصد الربيع العربي بكاميرا أسطورية العدسة. وتأتي هذه الرواية استكمالاً لتجربته الأدبية التي بدأها ب«عين حمئة» و«نجم نابض في التراب»، وكتابين في الشعر «صهيل القوافي» و«نزف الشعراء»، ومذكرة بعنوان: «شعراء من عائلتي». هنا نص الحوار: في روايتك «دم يترقرق بين العمائم واللحى» تبرز سطوة الظلم وغياب العدالة في مشهد دموي عربي في 28 فصلاً. هل هي محاولة لقراءة الواقع العربي بعين الروائي الأديب؟ - لا يخفى علينا جميعا أن الأدب مرآة للواقع المُعاش بل انعكاس كامل لمراحل وعقود من عمر البشرية، اجتهدت في تقديم روايتي الثانية «دم يترقرق بين العمائم واللحى» على أن ترصد الربيع العربي بكاميرا أسطورية العدسة، من دون النزول بها إلى سفح الواقعية المملّة التي تُشعر القارئ وكأنه يشاهد قناة إخبارية، وجعلت من شخصياتي كائنات لها قضايا إنسانية مُتعددة تقف جميعها تحت مظلة الهم الإنساني، وراعيت ألا تكون هناك بطولة لشخصية بعينها إلا في الحالات الملحّة، لأن الرواية ذات النَفَس الجماعي لا تحتمل إلا أن تكون بطولتها جماعية، فمن يقرأ العمل سيجد أن كل الشخصيات بطولة جماعية لهدف واحد، ففتحت السرد على زمن لا ينتهي ومكان لا يستقر، مُستفيداً من الألم العربي على طيلة صفحاته التاريخية، واضعاً السلطة العربية عامة أمام نفسها، والمجتمع العربي مثل مريض يقف أمام مرآته، ينظر ماضيه العربي ثم يدير رأسه وينظر حاضره ليجد أنه لم يتغير شيء في حياة العرب السياسيّة. أي رسالة أردت إيصالها عبر روايتيك؟ - ليس بالضرورة أن يحمل الأدب رسائل موجهة، مع أن الأصل فيه أن يتبنى رسالة ويسعى لإيصالها، لكنني في روايتيّ وقفت مثل المشرّح للحال المريضة، لكنه لا يملك علاجها، سواء اجتماعية كانت أم سياسية أم إنسانية محضة، لأنني أتأثر جداً في كل ألم يؤذِ الإنسان أو ينغّص عليه عيشه، خصوصاً إذا كان صادراً عن أخيه الإنسان. ما المشكلة الفنية التي تعترضك عند كتابة رواية؟ - المشكلة الفنية من أبرز الهموم التي تترصّدني وأتخطاها، لأنني أعتقد اعتقاداً كاملاً أن الرواية «قصّة»، والقصة يجب ألا تتجاوز أركانها الزمن والمكان والشخصيات والعقدة، ثم يجيء بعد ذلك العامل اللغوي والابتكار في الحدث والمراوغة في العرض، وكل ذلك يعتمد على مدى خصوبة الحال الإلهامية دائماً. كيف تصف لنا المشهد القصصي والروائي السعودي؟ - الأدب السعودي في نظري لم يتطوّر إلا شكلياً، فبعد غياب الرموز أمثال غازي القصيبي، صار التطور في الكم لا في الكيف، نعم نحن تطورنا بكثرة الإصدارات وتعدد الخيارات في النشر وفي سهولة التواصل الأدبي والثقافي، لكن أزمة الجودة تتسع كل يوم، وسببها أن المتصدين للنقد ليسوا أكفاء له، لأنهم لم يولدوا في بيئة الأدب والثقافة، بل جاؤوا من أروقة المحاضرات وقاعات الجامعات، يحملون «كاريزما» جامدة لا تريد أن تتجاوز المنهج الدراسي والمقرر الجامعي، وكنت دائماً أنادي بضرورة ألا يتصدى لنقد الأعمال الإبداعية إلا من كان له ضلع فيها، بمعنى: لا ينتقد الشعر إلا شاعر، والرواية إلا روائي وهكذا. المشهد القصصي والروائي السعودي محصور في مبدعين معدودين ممن أخلصوا للأدب فناً وللرواية جنساً أمثال غازي القصيبي وعبدالرحمن منيف وعبده خال ومحمد المزيني وآخرين قلّة. هل توافق على أن من يريد كتابة الرواية يتخلى عن مقعده المريح، وينزل إلى الناس في أسواقهم وحاراتهم الفقيرة؟ - الرواية هي الناس والحارات الفقيرة والأزقة الضيقة والأطفال الذين يلعبون في الطين ومجاري الماء، من يريد أن يكتب رواية عليه أن يتأكد أنه يملك الإنسانية جوهراً ومعنى حتى نضمن تأثيره القصصي، الرواية عمل شاق جداً، طبعاً للمخلصين لها، كتابة الرواية هي خلق حياة أخرى موازية لحياتنا التي نعيشها وواقعنا الذي نتعارك معه كل يوم. هل تتابع كتابات الروائيين الشباب من أمثالك، وهل هناك أسماء لروائيين واعدين؟ - تابعتهم في بداية قراءتي لأدباء محليين خلاف الأدباء الأعلام، لكني بصراحة وجدت ما لا يغفره أبداً من كان يبحث عن أدب متين وسرد مرتب، وخيوط قصة لا ترتخي، مشكلة الروائي الشاب لدينا محصور فكره في رواية المشاعر وسرد الهذيان النفسي، فهو يرى في ذلك هدفاً رئيساً له بكونه كاتب، ولا يحمل همّاً آخراً، لذلك نلاحظ أننا لا نملك الرواية العلمية ولا الرواية التاريخية ولا الرواية الإنسانية السامية، كما أن الروائي الشاب لدينا أشبه بالعاجز عن نسخ خيال قصصي متكامل البنى. ما يقدّمه الكثير من الروائيين الشباب وبعض الكبار أيضاً مجرد قصائد في شكل روايات، مشاعر مسكوبة في صفحات طويلة تتخللها بعض المواقف والمصادفات التي ترتبط بنزواتهم الشخصية، لذا الرواية الشبابية فقيرة في مظهرها الفني ومحدودة في فكرتها الشحيحة، وجُل ما تقدّمه أفكار مكررة وتقليد بإعجاب لأعمال سابقة إن لم تكن هذه الأعمال باتت منتهية الصلاحية، ولا ننسى الانصراف الكامل عن قراءة الأعمال الجادّة في الشرق والغرب، وارتهانهم لأعمال محلية محدودة أشهرتها بعض «شطحاتها». عندما تكتب، هل تضع في اعتبارك السلطة الاجتماعية؟ - إطلاقاً، بل وضع اعتبار للسلطة الاجتماعية ضعف وهزيمة سريعة للكاتب، لأن الكاتب ما قام بعمل عمله الأدبي إلا ليواجه به المجتمع، والقيود الخاطئة التي تزعج مجتمعه كما تزعجه، لكن هذا لا يعني أن عدم وضع اعتبار أنه من باب الانتقاص أو التحقير، حاشا والله لكنه من معنى العرض الكامل للألم الذي تقدمه الرواية عبر شخصيات وأزمنة وأمكنة متعددة. هل هناك مشروع أدبي جديد تعمل عليه الآن؟ - لدي روايتي الثالثة انتهيت منها قبل أسابيع قليلة، وذلك بعد جهد دام عام ونصف العام، وهي الآن بين يدي أحد الناشرين العرب.