«لا يطير الطائر بجناحيه فقط» هكذا يفتتح مهند يعقوب مجموعته الشعرية «سائل أزرق في محارة» الصادرة عن دار مسعى 2014 بعبارة ويليام بليك، قد يتبادر لذهنك بعد الانتهاء من قراءة المجموعة أنّ الشاعر اختصر القصائد بهذه العبارة، وما إن تمعن النظر قليلاً وتعيد قراءة ما طبع في ذاكرتك، حتى تكتشف أنّه فتح رئتي العبارة لتسبح أجزاؤها في هواء كلماته. المحاكاة المتداولة ما بين الذات والآخر منها، ما بين الخطاب والبيان، تشكّل الصياغة الأغلب لقصائد مهند، إذ يشحن الجمل بتراكيب بؤسه وغضبه من العالم و نفسه حيناً، بينما يكوّن خارطة مسيرة ذاته والغائب عنها للقارئ، علّه يصل لما لم يستطع مهند الوصول إليه، حيناً آخر: «أي وقتٍ سيمرّ/ دون أن أكفّ عن تثبيت الأسئلة/ في ياقة الهواء/ دون أن أخسر طموحي في البهجة/ دون أن أرمي نفسي/ خارج حدود نفسي». كما اقتحم عالم الشاعر الصياغة الميلودرامية للنص، قصيدة تسرد أو سرد يشعر، كإعادة للقصة من خلال توصيف الحالة، أو إعادة للحالة عن طريق سرد شعري مصوّر كما في قصيدة «الساقية». كثيراً ما يفتح الشاعر الاحتمالات في تراكيب الجمل، يباعد بطريقة متواترة ما بين المعنى والمفردة، يباعد ويقرّب فيقرّب، وما يوقفك كثيراً، أن الشاعر يجيب نفسه كثيراً، كأنّ الإجابة موجودة ولكنه يهرب منها، أو أنه يخشى أن تنفلت المعاني من يده فيحصرها بإجابات تختم النصوص في بعضها. واقعاً، هل حقاً انتهت القصائد بتلك الإجابات؟ مهند يعقوب، الحنق بدلالات أسئلته، بمجموعة شعرية تنثر بقاع الخيالات لتستحوذ على خيالك في بقعة السكوت: «منذ القرن الثالث قبل الميلاد/ لم نعرف حتى الآن/ أيهما حلّ في الآخر/ تشوانغ سو تحوّل إلى فراشة؟/ أم الفراشة تحوّلت إلى تشوانغ سو؟/ هو أيضاً لا يعرف مثلنا/ لكنه ارتفع أكثر مما ينبغي/ لميت أن يستيقظ».