درجت العادة أن يعمل المترجم في الخفاء قابعاً في الظل، مجللاً بالصمت، قانعاً من الغنيمة بالنسيان، في حين يستأثر المؤلف أو الكاتب بالأضواء كلها، وما يتبع ذلك من شهرة وذيوع صيتٍ ونجومية (بافتراض أنه كاتب ناجح بالطبع). يُنظر للمترجم غالباً بوصفه ناقلاً لنص غيره، وموصلاً له من لغة إلى لغة، وهذا كل ما ينسب له من فضل إن تذكره أحد. الفكرة الشائعة هي أن المترجم لا يأتي بشيء من عنده ولا يخلق من عدم. إنه مستطيع بغيره. فلولا النص الأصلي لما كان للترجمة أن تكون وأن تتشكل خلقاً سوياً. من جانب آخر هناك من يقول إن الترجمة أكثر صعوبة من كتابة نص أصلي، لأنك في الترجمة تكون مقيداً بنص آخر لا يفترض بك أن تحيد عنه، أو تخرج عليه، في حين تتمتع بحرية مطلقة، أو شبه مطلقة إذا ما شئنا الدقة، في كتابة نص جديد من تأليفك. سواء أكان هذا التحليل مقنعاً أم لا، فإن النظرة المهيمنة على المترجم هي كونه مبدعاً من الدرجة الثانية في أحسن الأحوال، فهو إن أحسن فما ذاك إلا بفضل النص الأساس الذي اشتغل على ترجمته، وإن أساء فذلك بسبب ضعف لغته وعدم تمكنه من أدواته وإحكام صنعته. ومن هنا لم يكن للاحتفاء به وبعمله مبرر أو ضرورة لدى الغالبية العظمى من المتلقين كما يخبرنا بذلك واقع الحال. غير أن هنالك حالات استثنائية فيما يبدو كسرت هذه القاعدة وقلبت أسس المعادلة، فصار المترجم فيها هو النجم الذي يستأثر بالأضواء (أو لنقل أنه ينال نصيبه منها لنكون أكثر دقة). وعلى رأس الحالات الاستثنائية في زماننا يأتي المترجم الفلسطيني المولود في مدينة حمص السورية، صالح علماني الذي أصبح مجرد ظهور اسمه على غلاف أي كتاب كمترجم له سبباً كافياً، بل ودافعاً لاقتنائه، وللثقة المسبقة في وليمة أدبية دسمة، خصوصاً فيما اشتهر به وصار يعرف به من ترجمات محكمة للأعمال الروائية التي أنتجها كتاب أمريكا اللاتينية على وجه الخصوص، وعلى رأسهم غابرييل غارسيا ماركيز، وماريو بارغاس يوسا، وإيزابيل الليندي، وأسماء أخرى كثيرة من أعلام الأدب اللاتيني المكتوب بالإسبانية. وفي الأمسية التي استضافت فيها جمعية الثقافة والفنون بالدمام المترجم المعروف مؤخراً، كان الحضور كبيراً ومفاجئاً حتى بالنسبة لضيفة أخرى تحل على المنطقة هي المستشرقة الألمانية يوليا كلاوس التي قالت لعلماني على هامش الأمسية بأنه يحظى كمترجم بشهرة لا توجد حتى في أوروبا، فالقراء في أوروبا يقرأون ماركيز وأدب أمريكا الجنوبية دون أن يعرفوا أسماء المترجمين. (جريدة الرياض – 20 مارس 2014م)، علماً أنه لم يتم الإعلان عن الأمسية إلا قبل يوم واحد من تاريخها. ومثل معظم الراسخين في العلم، والضليعين في مجالات تخصصاتهم، كانت سيماء التواضع، وخفوت النبرة، وعدم التباهي بالمنجز الكبير الذي حققه (ترجم أكثر من 100 كتاب خلال 30 عاماً) هي الملمح الأبرز في هذا المثقف والمترجم الذي أصبح نجماً يحرص المعجبون على التقاط الصور معه، ويسعون للحصول على توقيعه في كتب تحمل اسمه على أغلفتها بوصفه مترجماً، وليس مؤلفاً، لها.