كان هذا رد أحد الأصدقاء غير المهتمين بالشأن الثقافي والأدبي في البلد حينما سألته عن رأيه في معرض الكتاب الأخير الذي زاره من باب تغيير الجو والبرستيج كما كان يفعل كثير من زوار المعرض. لم يمر هذا الرد في رأسي إلا واستقامت علامات التعجب بعده واستفاقت الأسئلة الحائرة حوله وظهرت فوق رأسي غيمة بيضاء يرى بها المبصرون رجالاً يهيمون في صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا ظلال، يحلمون بالسراب وهم يعلمون بزيفه، تتخطفهم يد العطش ومخالب التيه.. وبينما هم كذلك، يأتي سؤال صديقي مبدداً هذه الغيمة: هل لديك مشروع رواية قادم؟ لم أستغرب سؤاله -وهو يعلم أني لست كاتباً روائياً- فأجبته: هل لديك أنت؟ هذا الإسراف العجيب من الناس في كتابة الرواية في بلد ليست الرواية فناً من فنونه يدعوني إلى الحزن على كمية الورق الذي سيتكدس على الأرفف دون أدنى فائدة. لم تكن العرب أو لنقل الجزيرة العربية في تاريخها الطويل حاضنة لهذا الفن كالشعر والخطابة على سبيل المثال، ولا أعرف لِمَ هذا الإصرار عليه، إذ تظهر كثير كثير كثير من الأعمال الروائية بشكل مخجل وغير مشرّف لأصحابها الذين يستسهلون بشكل مخجل وغير مشرّف أيضاً مسألة الكتابة في هذا الفن المعقد جداً. من كان أحد زوار المعرض الأخير سيقرأني وفي ذهنه بعض الأعمال التي تناسب أن تكون مثالاً حيّاً لهذا المقال الذي لم أكن أنوي كتابته لولا أن صديقنا غير المهتم لما أقول أثار كل التساؤلات التي كانت نائمة في رأسي الذي لم يكن هو الآخر مستعداً لاستيقاظها لولا أن الغيمة التي نشأت فوقه حينما بدَّدها صديقنا أفزعت كل الأفكار التي كانت ساهية لولا أنني تذكّرت أن اليوم الخميس ويجب أن أرسل المقال للجريدة في أقصى سرعة ممكنة!