اقترحت قبل ثلاث سنوات، في مقال عن سلمان العودة، أن نؤسس لعلم عربي جديد في دراسة وبحث النوايا. واليوم زادت قناعتي أن جامعة متخصصة في علم النوايا لن تستوعب الأعداد الكبيرة من الدارسين والمتخصصين في نوايا الناس، من سياسيين أو دعاة أو كتاب أو رجال أعمال. لا يكاد يمر يوم من دون أن أسمع أو أقرأ تعليقا أو تلميحا أو تصريحا عن نوايا الآخرين. “لكنك لا تعرف نواياه”، جملة تطل في كثير من جدالاتنا وحوارتنا. فأنت عند هؤلاء -المتخصصين في الشك في نوايا الآخرين- تضمر عكس ما تقول. وحينما تقول إنك تحاكم النص وليس النوايا تُتهم مباشرة بالجهل أو -إن كنت محظوظاً- بحسن النية متبوعة ب”يا حليلك”! لست أعرف إن كانت مجتمعاتنا اليوم بسبب حالة “الغضب” الذي تعيشه منذ عقود قد فقدت قدرتها على رؤية ما حولها بوضوح أم إن ثقافة “ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا” قد ترسخت في تكويننا حتى صار فينا من يمارس “الاستهبال” يومياً باسم الثقافة والحوار؟ تخيل أن تقول في مجلس عام إن بشار الأسد قاتل ومجرم فيسألك أحد الحضور غاضباً: كيف تدافع عن بشار هذا المجرم القاتل؟ مصيبتك أكبر إن ردد الحضور: فعلاً: ما لك حق.. كيف تدافع عن هذا المجرم القاتل؟ هذا يندرج في علم النوايا لأن فينا من سبق وأن أصدر الأحكام ضدك أو استوردها من قبل أن تنطق بجملة واحدة. ولأننا قد تعودنا على قول الآراء بلغة “المعنى في بطن الشاعر” فما زالت الذهنية تقرأ ما بين السطور حتى وإن كانت جملتك ناصعة الوضوح. ليس من ثقافتنا -فيما يبدو- أن نسمي الأشياء بأسمائها إلا نادراً! وحينما يعجز بعضنا عن قراءة السطور أو ما بين السطور يتجه لأسهل الطرق فيرميها على “النوايا” وما تكنه القلوب على الرغم من أن ربك وحده هو عالم النوايا وما تخفيه الصدور!