«من الريّ إلى الروم» هو آخر ألبوم موسيقي شارك به المطرب الإيراني الشهير «علي رضا قرباني» وقد تم عرضه في الأيام الأخيرة في طهران. الألبوم الذي يضم مقاطع موسيقية من تأليف الملحن الإيراني سعيد نايب محمدي، يتميّز باحتوائه على ألوان موسيقية شرق أوسطية ابتداء من إيران حتى الأندلس. كما أن المقاطع سمّيت بأسماء المدن التي هي رموز الشرق في الثقافة والموسيقى والأدب، فمن «طهران» إلى «الري» و«دمشق» و»الأندلس» يتكون العمل من محطات مختلفة بنغمات مختلف الآلات الشرقية من العود حتى الكمنجة ترافقها أصوات المغنين الذين تنوعوا هم الآخرون بجنسياتهم الشرقية. وما يميّز هذا العمل هو وجود الألحان المحلية الخاصة بكل من المناطق المذكورة بالألبوم، برفقة الآلات والنغمات التي تتعلق بكل من المناطق. ثم هناك عازفون ومغنون آخرون حضروا بصوتهم أو بآلتهم في بعض من مقاطع الألبوم من العرب والأتراك؛ فهناك صوت «أرسلين تشليك»، و«يواخين جومز إل دوئنديه»، والعربي «مصطفى كريم»، كما أن كمنجة العازف «مصطفى سلجوق أرسلان» تضفي اللمسة السحرية على العمل. أما المقاطع المختلفة التي قام الملحن نايب محمدي بتأليفها فتتوزع بين قطع ألّفها هو وفق ذوقه الخاص كمقطع «طهران»، ومقاطع استلهم نغماتها من مقاطع موسيقية غير إيرانية اختارها بنفسه ووزعها حسب تقنياته وذوقه، وكذلك هي مقاطع «الري»، و«دمشق»، و«الأندلس». وقد حاول أصحاب العمل أن يقدموا عالماً موسيقياً متنوعاً ومتقارباً في نفس الوقت، فعلى الرغم من أن كل مقطع من الألبوم يتعلق بمنطقة مختلفة وله الصوت والنسيج والنغمة الخاصة به، إلا أن روح الشرق وتقارب الفكر والشعور يؤلف ما بينها ويجعلها مجموعة رائعة أشبه بقوس قزح من الأصوات والألحان. فتكثر الأصوات، والنغمات، والألوان الموسيقية المتعلقة بالمنطقة الجغرافية الممتدة من الشرق الأوسط وبلاده حتى المغرب العربي هو ميزة ألبوم «من الريّ حتى الروم»، مجموعة متكثرة توحّدها آلة العود باعتبارها الآلة الأم في موسيقى البلدان الإسلامية والعربية، التي تحولت في هذه المجموعة الموسيقية إلى العنصر البارز والبطل الذي يمثّل الدور الأهم، وكما نعرف، يكاد لا يكون بلد عربي أو إسلامي يخلو تراثه الموسيقي وحاضره من العود. وقد صدر ألبوم «من الريّ إلى الروم» عن مركز «آواي باربد» للثقافة والفنون في إيران، وقام فيه المطرب الإيراني الذي اشتهر بصوته الرائع على صعيد الموسيقى التقليدية الفارسية بغناء مقطع «طهران»، كما غنى المطرب العربي «مصطفى كريم» مقطع «دمشق». أما المقاطع الأخرى فجاءت بغناء عباس قرباني الذي غنى مقطع «الريّ»، وأرسين تشليك الذي قام بغناء مقطع «الروم»، وقد حضر المطرب يواخين جومز بغنائه لمقطع «الأندلس». وتجدر الإشارة إلى أن مدينة «الري» الواقعة حاليا بالقرب من مدينة طهران، هي من أهم المدن التاريخية الإيرانية، فتحت في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويقال إن زرادشت قد خرج منها. كما خرج منها عدد من أهم العلماء المسلمين، ومنهم فخر الدين الرازي، صاحب تفسير «مفاتيح الغيب»، والكيميائي محمد بن زكريا الرازي. ورغم أنها ليست اليوم بالمدينة المهمة جدا في إيران، إلا أن حضورها في هذا الألبوم جاء بحق وجدارة، نظراً لأهميتها التاريخية في العلم والأدب. أما المدينة الأخرى التي تميز بها الألبوم فهي ليست إلا دمشق، المدينة/الذاكرة التي ليس هناك أي أحد منا يشاهد ما يجري فيها ولها اليوم ولا تتملكه مشاعر الحزن والحسرة، وبحضورها في هذا العمل الموسيقي تعلن دمشق مرة ثانية عظمتها وجمالها وعزّها الذي يجعل المستمع لمقطعها تعتريه مشاعر مختلفة ومتناقضة من الوجد والسعادة حتى الحزن والأسى وتمني السلام لها. أما علي رضا قرباني، المطرب الإيراني الذي تميّز خصوصا بما غناه من كلمات وقصائد رائعة إلى جلال الدين الرومي، فليست هذه المرة الأولى التي يقترن صوته فيها بأصوات عربية، فالحفلة التي أحياها العام الماضي في فرنسا برفقة المطربة التونسية «درصاف الحمداني» كانت من أجمل وأروع ما غنى وغنت؛ إذ ترافق صوتاهما في تلك الحفلة ليقدما غناء مشتركا لرباعيات عمر الخيام، لا أظن أن يستمع لها أحد ولا يشعر بالنشوة التي يدعو إليها الخيام تفيض من فكره وقلبه وروحه.