أقيمت مرة ندوة تكريم بإشراف محمود كامل في معهد الموسيقى العربية بالقاهرة للملحن محمد القصبجي فغنى فيها رائعته: رق الحبيب، ومضى ولم تسجل فلم نعرفه إلا في حفلات أم كلثوم المسجلة - وكثيرها لم يسجَّل - أبقت لنا صورة كئيبة ليست هي صورته التي أريدَ - عن جهل فادح - أن تمتد إلى المسلسل (إخراج إنعام محمد علي) الذي أخفق في تناول تاريخ مهم لمسيرة الثقافة العربية وعناصرها في حقل الغناء. وربما تناسى - كعادتهم - أن للقصبجي دوراً مهماً وحيوياً في غير ألحانه للمطربات، تسجيلاته لمؤلفات موسيقية مشتركة وعازف الكمان سامي الشوا، وأخرى من فن التقاسيم على عوده، وتجاهل كثيرون وكثيرات ممن ألقى عليهم محاضرات ودروس في معهد الموسيقى العربية، وربما يجهل كثر دوره الفاعل في الصالونات الثقافية ومشاركاته مع عازفين وعازفات في موسيقى منوعة أحدها والممثلة والمنتجة وعازفة البيانو بهيجة حافظ. ولم يعن أحد أن يعرفه ممثلَ دور الضرير الذي شارك ليلى مراد في فيلم: ليلى في الظلام، وملحِّنَ معظم أغانيه الجميلة، ومصاحبته الغنائية لدعاء: يا رب يا عالم بالحال، التي حفظت لنا لحظة ذهبية بين صوت أستاذ كبير وصوت تلميذة صارت أستاذة كبيرة. كذلك عندما أرادت سعاد عبد الله مع المخرج بدر المضف تقديم وجوه ثقافية كويتية في برنامج: الكلمة والحوار والنغم استضافت الطالبة عالية حسين - المطربة الكبيرة - وأستاذها الملحن أحمد باقر، وسجلت حسين للبرنامج صوت: الحمد لك يا عظيم الشأن، مع زميلاتها الطالبات عازفات وضاربات إيقاع ومرددات، وقدَّم كل من باقر وحسين تسجيلاً فريداً لموشح: نديم الراح، فحفظت لنا تحفة هي سماع صوت باقر المليء بالوقار ورنين الذهب. وبما أنه استأثرت صورة المغني - المغنية في عالم ميديا الغناء، في الفضائيات عبر المصورات، والمسرح عبر الحفلات، وقبلها في أغلفة الأشرطة والدعاية وإجراء المقابلات والمؤتمرات الإعلامية شَعُر أفراد عائلة الأغنية بالظلم العسير عليهم، فسنرى محاولات الشعراء والملحنين التواصل الإعلامي لشعور بأن حقوقاً ضائعة ومغيبة ومقهورة، وهذا ما حدا بشعراء إلى الكتابة إلى الصحافة وتسجيل نصوص الأغنيات - وربما سواها - في كتب وأشرطة في قائمة لا تبدأ بعبد الرحمن الأبنودي أو بدر بن عبدالمحسن ولا تنتهي عند كريم العراقي أو علي مساعد كذلك قام الملحنون بالغناء والمضي في احترافه، غناء وتصويراً وحضوراً عبر شاشات الفضائيات. وفي العقد الأخير رأينا التصاعد لحضور كاتب الأغنية والملحن اللبناني مروان خوري مصدراً أشرطة إلى جانب مشاركات غنائية كالتي كانت مع كارول سماحة، ورأينا الملحن اللبناني نقولا سعادة نخلة يسجل أغنية: الله معه بعد أن سجلها السعودي عباس إبراهيم، وسجَّل سعادة غيرها جديدة، وكاتب الأغنية والملحن المصري محمد رفاعي غنى بعض الأغنيات وصورها كذلك لحقه مواطنه عمرو مصطفى بشريط كامل احتوى مصاحبات غنائية عدة وصور منها، والملحن العراقي وليد الشامي الذي شارك المغني الإماراتي فايز السعيد أغنية: الحق عيني، بعد ألحان اشتهرت له ويعد لمجموعة غنائية تصدر له قريباً، وها هو الملحن الكويتي مشعل العروج المطل قليلاً بصوته مصاحباً نوال في أغنية: الشوق جابك، وبعض المشاركات في برامج رمضانية: قرقيعان وشبابيك، وسواهما طلع علينا بأغنية ظريفة: التاكسي، ليكشف رغبته بالتميز عن الملحنين الذين غنوا ألحانهم لسواهم أو صاحبوا الآخرين والأخريات ألحانهم بأنه قادر على غناء ما لا يمكن أن يغنى تماماً مثلما أقدم ملحنون كبار على أغنيات مرتبطة بظرفها الزمني ومناخها الثقافي: الدنيا كاس وسيجارة لمحمد عبد الوهاب وسنفرلو ع السنفريان لفيلمون وهبي، وهذا لم يؤثر على مدى مسيرة الغناء العربي ولم ينكر عليهم!.