نصوصٌ تُنشر أسبوعياً، من «يوميات بيت هاينريش بول» التي كتبها الشاعر أثناء إقامته الأدبية، بمنحة من مؤسسة «هاينريش بول» في ألمانيا. للأرض رائحةُ الشظايا وهي تطلعُ في المناجم كلما فاضتْ مياهُ النهر فَزَّ المِعدنُ الطينيُّ في إيقاعهِ للأرضِ طعمٌ حامضٌ متصاعدٌ في رجفة البردِ الأخيرة كلما، عند الصباح، يخوضُ فلاحٌ بحوض الورد غيمٌ هابطٌ وتدورُ ساقيةٌ ويبقى في الوريقاتِ الندى الفضيّ كي يبتلَّ شالُ المرأة السَّكرى بخمر الصيف هل هذا صباحٌ فاجرٌ هل جنةُ الليل انتشتْ في يقظةٍ هل قريةٌ كَسْلى تُصلي في الكنيسة ينثني نهرُ الشمالِ على الجنوب الأرضُ صلصالٌ وماءٌ طازجٌ وتميمةُ القرويِّ في ركن الكنيسة عندما لا يستجيبُ … للعطشى تَطيشُ شرارةٌ تنتابنا لغةٌ تهاليلٌ ولعثمةٌ وبوحٌ غيرُ متزنٍ. لماذا يستعين النهرُ بالصلوات في أرضٍ مجعَّدةٍ ورائحةُ المعادن في غضون الطين هل نهرٌ من الكلمات يسعى في المناجم نحونا؟ في سقيفة هذا المطر لنْ تخشى من الضياع ماءٌ دليلٌ يقودك بأذرعٍ لا تُحصى نحو البيت يتقدم الخريفُ في كوكبةٍ من خيَّالة القرية في عرباتهم الصنوبرية تبرق مغسولةً بزخاتٍ رحيمةٍ تبشِّر بالبارد المكنوزِ بالهدايا مطرٌ لا يشبه مطراً آخر يأتي لا منهمراً ولا شتاتاً خيمة تغمرُ الكونَ والكائنات شفيفةٌ وتمسُّ الشغاف لك أنْ تجتازه عابراً نحو الغيم فترى حجرَ الطريقِ يلمعُ مثلَ المعدن النبيل صريحَ الحمرة رحيماً بالخطى مشمولاً بالنعمة مطرٌ لا يشبه مطراً غيره تفزُّ له فلزّاتُ الحديقة وتنتظره عريشةُ الأجاص وينهضُ العشبُ تحيةً له. مطرٌ رشيقٌ يأتي خفيفاً ناعماً ممهوراً بالمثابرة النشيطة يسهر يغسل زجاجَ النوافذ ويحرسُ أبوابَ البيت من أشباحٍ عابثة يطيب أنْ أنهضَ ثلاثَ مراتٍ أطمئنُّ أنه هناك لا يزال بأجنحته المبتلة وأوراقِه المرتعشة ثم أعود الى حلم عصفوراً خارجاً نزهة الريح. يدان منحولتان تمدان لي شرشفاً من جناح الفراش وتمسحُ زيتونَها في الركن الضعيف من القلب حتى إذا إنَّ جُرحٌ بكتْ لي لأنسى وإنْ نمتُ رَدَّتْ غطائي وزاحتْ وريقات شِعري وقالت لقنديلنا أن يُهدِّئَ من رَوعِه فالقصيدةُ تُوشكُ أن تَحلمَ الآنْ يدانِ معسولتانِ تَصُدّانِ بردَ الخريف عن الجندب الذهبيّ بمدفأةٍ من حنان تدربتُ في الريف أنْ أسهرَ حتى حدودَ القمر أبدِّد عمري بين يديها وأكتبُ ما يجعل الحلمَ أرجوحةً والحكايا صُورْ.