نصوصٌ تُنشر أسبوعياً، من «يوميات بيت هاينريش بول» التي كتبها الشاعر أثناء إقامته الأدبية، بمنحة من مؤسسة «هاينريش بول» في ألمانيا. شجيرات يتشبّهن بالغابة بخورُ الغابة تذكرتُها وأنا أزيح الأوراقَ اليابسة حول زريعاتٍ مخلوطةً بالطين أفسح للهواء طريقاً لتستعيد البصيلات أنفاسَها تذكرتُها تسردُ درسَ الزراعة عن أبيها في صباح الحقل وقتَ كان يَرُوز الأشجارَ وأغصانها يفرزُ الأرضَ بحزام الغابة ويضعُ ناراً خائفةً في خشبٍ يابسٍ ليتصاعدَ دخانٌ كثيفٌ طيّبُ الرائحة من عطر الأوراق كثيرةِ الألوان والأحجام والطبائع وكان ذلك البَخورُ في الحقل فثمة الأخضرُ يستعدُّ لربيعٍ وشيك. تلك هي حكمةُ النار وذريعةُ العمل في الزرع والحصاد. سيداتٌ طويلاتُ القامة في ما يُشبه التبجيل وأكثر قليلاً من الخشوع تقفُ الأشجارُ منتظماتٍ في الحقل تَشَبُّهاً بالغابة فواكهُ وأحراش وكوخةُ أقزامٍ تحرس أخشابَ المدفأة لشتاءٍ يأتي حثيثاً بصمتٍ وحذرٍ وفي تباعدٍ خشيةَ المباغتة التفاحُ الأجاصُ الكرزُ وريفٌ صغيرٌ من فصوص الزهر يرونق التضاريسَ المتحاجزة كما لو أنَّ البيت يتأرجحُ بين الحفل والمبارزة والشجيرات يتوشَّحنَ بما يقيهن من البلل السيداتُ الطويلات ينحنين لكي يدخلن كوخَ الأقزام ويتركنَ المطرَ وحده حيث ما مِنْ شمسٍ وليس هناك زهرة عبّاد شمسٍ واحدة الغابة تطوفُ في ممرات الريف تسأل عن حديقة صغيرة ضَلَّتِ الطريقَ عسى مّنْ يعثر عليها أن يردّها إلى أمها صَبيّةٌ مستهامةٌ ببيت «هاينريش بول» طفلةُ الغابة الضائعة. تأويل كلما كَتَبَ ورقةً رَفَعَها رايةً يَخرجُ إلى الغابة ويغرسُها في جذع شجرةٍ عجوز يُطلقُ أوراقَ الشجر لترتيل كلامٍ طازجٍ مكتوبٍ بالمزيج العاطر من الحنين والخوف يكتبُ ويشهق يضعُ حبره في الخشب نهراً صغيراً يجفّف كتابته بالقناديل ويختمه بالعسل العليل بالأمل يُكملُ النص ويوقظ فراشات الغابة كمن يهَمُّ بالخروج من كتابٍ تاركاً الضوءَ في الكوخ لتحرسَ الغابةُ أحلامَ الشجر. بغتةً يقفُ في عتبة الباب فثمة تفسيرٌ فذٌّ يفتكُ بالكلمة وتأويلاتٌ تستعصي على النشيد.