نصوصٌ تُنشر أسبوعياً، من «يوميات بيت هاينريش بول» التي كتبها الشاعر أثناء إقامته الأدبية، بمنحة من مؤسسة «هاينريش بول» في ألمانيا. ذكريات الخيول القتيلة حريةُ الحصان ليستْ خيولاً ففي الريف لا توجد سوى الأحصنة حيث العملُ ومهماتُ الحقل والنقلِ والمكابدات. في المدينة للخيول، من ترفِ الدلالِ، قسطٌ لا تناله أحصنةُ العمل حصانُ الريف حصنُ المزارعين المتين ضد الكسل والخيبة لا خيّالون هنا ولا خيول الاصطبلات نزهةُ الخيل في المدينة وللحصان شهوةُ العبث بأحلام التبن المدّخرة بمعزل عن فهارس الأهداف والغايات فما إنْ يُنزعَ عنه المحراث والعربة حتى ينطلقَ في اكتشاف تجاعيد الحقل يَجزُّ العشبَ الأخضرَ بكتيبةٍ كاملةٍ من القواطع المدربة التي دَرَّمتها أكوازُ الذرة الصارمة، يتنسَّمُ أرشيفاً صاخباً من أسرابِ النحل في سوناتة الأزيز على مقربة من مطر البارحة ينالُ حصتَه من العشب الناشز في سجادة السهول يتجولُ ويمطُّ رقبته ويتمطى ويتكاسل ويعلك ويجترُّ ويطلق شخيرَ النوم الفارط غيرُ مسؤول عن كلفة وجبة الغداء ولا مكترثٌ بجِرارِ الجِعّة ولا درسِ الأطفال ولا ضحايا العراك غير المتكافئ بين العصف والأجنحة ولا شهداءِ الحق العام وهم يفضحون أسرار الدولة إنه حصان حرٌّ من المهام خارج الحقل حرٌّ من الغايات والمآرب فقد ترك الأهداف الكبرى لمخيلة الخيول في المدينة النائية عن مكابداته خيولٌ تحرزُ السباقات وتَخسرُ العمل. المنجم بقايا المَنجم الشجاع على مبعدةٍ من حقل القمح تحرسه أحصنة لا تغادر تاريخها متينةُ الأجساد قويةُ الأحلام والنسيان تُزَخرِفُ حوافرَها بغضاريفَ صلبةٍ وقَصة شَعرٍ غليظة تتراقص كلما قذفتْ حافرها أَمامَاً / خلفاً / وبينَ بين مهماتُها الموروثة حراسة أطلال منجمٍ جَفَّتْ ضروعه وبهتتْ أحفوراته لكنه جاثمٌ هناك يتذكره الماضي ينساه الناس وتَغيمُ به المعرفة. ثمة من يقصده بوصفه كهفَ المُلمات مآوى الأجداد الفارين من تاريخٍ فاتكٍ وهناك من يأخذه على محمل العمل حيث غوامضُ محطات السفر نحو الأقاصي في بلورات الأرض. تلك هي شجاعةُ منجمٍ قديم قادراً لا يزال على إطلاق شهوة الريف متحرراً من مُدُنٍ تهرَمُ فيها الأحلام. يشبه الماءُ شيئاً تشبَّهتُ بالماء هذا خريفٌ سيذبحني إنْ تماديتُ في اللامبالاةِ ثلجٌ يؤجلني أنا الماء .. أبيضُ قمصانيَ البيض والروح بيضاء تشبَّهتُها، لم يزلِ الصوفُ في خزنة الدار لم أحرّكْ يداً في المجامر للنار ذاكرةٌ تنتمي للفصول، نجوتُ من الصيف، هل كان صيفاً؟ تفاديتُ أن أسألَ البردَ عن وشمِه ما الذي يجعل الثلجَ يبقى طويلاً كأنَّ الفصولَ حديقتُه في الخريطة. تشبَّهتُ ماءاً وحيداً معي في موقفِ الحافلات احتميتُ عن الريح بالانتظار الطويل لمْ يلاحظْ أحدْ كنتُ في هيئة الماء مندلعاً وأسيلُ بلا أثرٍ تماهيتُ في اللون لوني طيورٌ كلما هبتِ الريحُ قاومتُ في معطفٍ من زجاجٍ وضِعتُ. أنا الماءُ لا يشبه الشيءُ شيئاً يراه ولا ينحني الماءُ في حالةِ الثلج لا ينتهي في الطبيعة هذا الخريفُ سيذبحني كلما صادفتْ لغتي مُعجماً بالغتْ في تآويلها للشتاء سيدُ الماءِ ماءٌ تجاسرَ في ورشة الصيف مرَّ الربيعُ على بيتنا مثلما يستعيرُ الحواةُ أراجيفَهم من خريفٍ سيذبحني من كسلِ الصيفِ يَقْصُرُ عن وقته من شتاءٍ تشبثَ بالمستحيل من النهر يَنْصُبُ أخدوعةً للرحيل. كلما اخترتُ نحواً غريباً على الصَّرف تُهتُ فكل قواميسِهم غيمة للضياع. تهجيتها واحدا واحداً أنا الماءُ في مائه في المرايا مثلما يشربُ الماءُ في قصعة الخوف ماءً الفصول.