نصوصٌ تُنشر أسبوعياً، من «يوميات بيت هاينريش بول» التي كتبها الشاعر أثناء إقامته الأدبية، بمنحة من مؤسسة «هاينريش بول» في ألمانيا. مطرٌ يَخُطُّ ويمحو مطر في الكتابة كلما مسحَ غبارُ الغابة زجاجة قلبي جاءَ مطرٌ يغسلها بنقاطٍ أنعمَ من إبر الغيم أصغرَ من بؤبؤ طفلٍ يُحسن صَقلَ مراياه ويُضَلِّلُ رؤياي. مطرٌ حليمٌ قنصلُ.. في الطبيعة يقود الخلائق ويسوق كائنات الريف غبارٌ في طلع الأزهار في مطرٍ يندلع بعشق النار كلما توغلتُ في الغامض جاء ماءٌ أليفٌ يخطُّ ويمحو والطبيعة تقرأ الكتبَ والناس ساهمون. شجرةُ البيلسان تلوّح لي كلما عبرتُها ذاهباً في الحديقة لو أنني طائرٌ لاستدرتُ لمغريات عنيباتها الداكنة بيلسانة تؤرجح أغصانها المكتنزة في مستقبل النبيذ يُسكر الطائرَ ويُؤنس المسافر ويُقلق المقيم يا شجرةَ البيلسان يا صديقتي لماذا تقفين هكذا حاسرةً في مطر الخريف ألا تخشين الثعالبَ تَقِدُّ لكَ القميصَ وتَغرِزُ أنيابَها الصغيرة في لحمك العاري الثعالبُ الطامعة في عطرك المنعش وتُويجاتك المُسكرة هل أنتِ شجرةٌ أمْ شَمالٌ أضاعَ بوصلته. احتفاءات طالما الحربُ لا تنتهي طالما الماءُ والدمُ لا يستويان طالما النزفُ في الكون طالما بيتك الخشبيُّ لمْ يزلْ في الحديقة طالما غابةٌ تحرسُ البيت طالما آلتكَ الطابعة تبعث في الحيّ إيقاعَها والموسيقى تغنِّج أشجارَك المورقة طالما الزنبقةُ تُدْفِقُ اللونَ فوق الرصيف الصغير طالما السيداتُ اللواتي لجأنَ إليكْ لم يزلنَ يزنَّ الكتابة بالخوف أو بالنزيف الطفيف من القلب طالما نزهةُ الحربِ تأتي مع اللاجئين ينامونَ في تختك الكوكبيِّ يصوغونَ أحلامَهم كي يمرّوا من النوم طالما قائمةُ الأصدقاء تجعل الحيَّ أكبرَ من قريةٍ في المدينة طالما لم نزلْ نزرعُ الأرضَ في حوش بيتك ونحرسُ صوتك ونزعُمُ أنَّ الكتابة حصتُنا في الحياة وأنَّ الطغاةَ سيمضون في الحرب ها نحن ماضونَ في الحب ضدّ الضغينة. عريشةُ الخشب تدَّخِرُ الدفءَ لشتاءٍ وشيك تبذل خشبَها الهشّ لأقلامي أشجارٌ مفلوقةٌ في حصصٍ وفي شظايا فاقرةً أضلاعَها لحبرٍ قديمٍ طابَ لي أن أضعَه في درس الفارّين من غرائز المدن وضغائن الغُزاة كلما كتبتُ كلمةً سمعتُ إبرةَ الأغنية حيث السيد المبجل في مكانه عريشة الدفء تحرس غرفته الشاغرة وتقرأ مخطوطاته المكنوزة في ضوءٍ شحيح قنديلٌ يضيئ مواقعَ أقلامه شعلة صغيرة في منعطف شارع «هاينريش بول» الممتدِّ من ملتقى الغابات حتى كنيسة الحيّ حيث تنعطف العربات يميناً كلما جاءتْ تحمل أصدقاء الحلم والكتابة نحو البيت الأليف في اليسار الرصين لألمانيا بعريشة الخشب حيث الدفءُ للأصدقاء والتحيةُ لصاحب البيت. الزيارة جَلسَ الجَمْعُ في ظلال العشب تحتَ تفاحٍ يهمُّ على النضوج جلسوا في حلقةِ البوحِ وكان القلبُ في التفاحِ في … غائبٍ عن طقسه سألَ الجَمعُ جميعاً : عن ربيع البشرِ القتلى وعن معنى انتحارِ الزوج في العرس وعن ترْسِ الصلاة سألوا عن خطوةٍ للخلف كي نذهبَ في مستقبل الماضي وماجَ الجمعُ في أجوبةٍ تسألُ هل لي قبلةٌ في شفتيك؟ قلت : مَنْ يعرفُ؟. تفاحُ الخريف الفجِّ ينثالُ حوالينا وكنا مطراً يتسارعُ جَمعٌ من بلادٍ جمَّةٍ فتيانُ بولندا غنائيو بلاد الجَرْمَن الريفيّ جُندٌ من بقايا العرب الأغراب كنا تحت تفاحٍ وفوق العشب في بوحٍ عن جدوى هذا السَّفر الموغل والشكوى من وقتٍ يمضي بطيئاً مثلُ نصلٍ في انتظار الثاكلات جلسَ الجمعُ على جمرٍ يؤدونَ طقوس الشكِّ في مستقبل الماضي ففاضَ الجَمعُ في بيتٍ من الذكرى ب»هاينريش بول» كانوا يستجيبون لمعنى الغياب جلسوا في شغفٍ يشملهمْ .. قبل الكتاب.