لا أحد ينكر أن مجتمعاتنا العربية تعاني كثيراً من العلل الاجتماعية، من الفقر والجهل والتخلف عن المجتمعات الموصوفة بالمتحضرة، ولا أعلم ما قواعد التحضر فعلياً، لكننا اتهمنا كثيراً بأننا شعوب عاطفية ومعالجتنا لأغلب الأمور تنم عن تعاطف وعاطفة، بغض النظر عن الرؤية الموضوعية المدروسة للأمور. تلك المجتمعات التي تقدمتنا وضعت القوانين واحترمتها، وطبقتها على الجميع دون محاباة أو تمييز، وبالتالي اكتسبت مجتمعاتهم سمة التنظيم الشديد والتزام أفراده، لإيمانهم بمشاركة الفرد الواحد بهذا التنظيم، وأي خرق يحدث لهذا التنظيم لن يتهاون أفراد المجتمع في تطبيق القانون عليه. هذه الصورة العامة، ولكن في العمق نجد أن هذا القانون جعلهم أنانيين في ممارستهم للحياة لأن لا أحد سيرحمهم أو يوجههم أو حتى يعتني بهم طالما ليس هناك مقابل ما، أو بالتالي فقدوا قيم التكافل والمؤازرة الاجتماعية والمعنى الحقيقي للمجتمع المدني المؤسس على المحبة وبنيان أفراده وإنما فعل ذلك قانونهم الذي فرضوه. بينما لا تجد قانوناً واضحاً يطبق في مجتمعاتنا العربية وإنما أعراف قديمة قد يصحح بعضها والبعض الآخر لا، ولكنها وعلى الرغم من ضبابية الرؤى وعدم تطبيق أحدث النظريات أو الأبحاث، إلا أنها لم تفقد إنسانيتها أو تكافل أفرادها، وذلك بنفس سبب عاطفتهم أو نظرتهم للأمور التي اتهمت بها رغم غياب القانون وارتفاع معدل العاطفة. إلا أن معدلات الجريمة وأنواعها مثلاً منخفضة إذا ما قورنت بتلك المجتمعات التي غالت في تطبيق القانون. أي مجتمع متحضر في ذهني تنخفض فيه معدل الجريمة، لا ترتفع، وتقل فيه نسبة الاعتداءات أو فحشها أياً كانت نوعها. وبالمقارنة بين المجتمعات العربية والغربية أيهما تستطيع العيش فيه بأمان أكثر. هنا يبرز سؤال من يصنع من، القيم تصنع القانون أم القانون يصنع القيم؟ وهل الجهل تؤطره القيم الفطرية حينما يخلو العلم من الإنسانية مستبيحاً التقدم العلمي أو الاجتماعي وكافة العلوم؟ إذن، من المتحضر؟! ومن التقدمي؟!