أبدى الشاعر محمد البارقي صاحب ديوان «فينيق الجراح» تخوّفه من قراءة كتاب في العروض، مرجعاً ذلك إلى خشيته من أن يتحوّل إلى شاعر مصنوع، وأضاف أنّه لم يستطع مجاراة شعراء الثمانينيات في كتابة القصيدة بقافية موحدة مع أنّه كتب كثيراً من القصائد في فترات مبكّرة لكنّه لم ينشرها، فقد كان يعتنق مبدأ حمزة شحاتة الذي كان يكتب الشعر ويدفنه. جاء ذلك أثناء تعقيبه على القراءة النقدية لديوانه الصادر مؤخراً عن نادي أبها الأدبي في الجلسة الشهرية التي عقدتها لجنة إبداع في النادي التي قدم فيها الشاعر إبراهيم معدي والناقد الدكتور إبراهيم أبو طالب قراءتين للديوان. حيث أشار معدي في قراءته التي وصفها بالانطباعيّة إلى أنّ عناوين قصائد الديوان كانت حاسرة عن وجه حزين أفرغ شكواه، فعناوين «يباب، ظل مأساة، لغة الجدار، اللحن الحزين، عذاب، سوناتا الحزن، مشانق الوداع، ماء الذبول،…» تخبرنا عن فلسفة الحزن التي تشكّل بذرة الوجود الإبداعي لدى الشاعر. وأضاف معدّي أنّ لغة القصائد كانت آسرة، وصورها بديعة، واستعاراتها معبرة، فالقارئ لديوان (فينيق الجراح) يلمس خلوّ القصائد من الثرثرة الشعرية، والحشو المترهل برغم عزف الشاعر على أوتار القصير من البحور وكذلك المجزوء وهي ضيقة المساحة بالنسبة للتعبير إلا أنّها لو تنوعت تلك الأغراض في القصائد والمضامين لكان الحكم على المعجم اللغوي للشاعر أكثر دقة ووضوحاً واستدرك عليه غياب الزمان والمكان في شعره، فهما يكادان يكونان مفقودين! فيما قرأ الناقد الدكتور إبراهيم أبو طالب الديوان قراءة سيميائية ولج إليها من خلال العنوان الخارجي والنصوص الموازية المتمثلة بالإهداء، والمقدمة، ونص الغلاف الأمامي والخلفي وما سماه (النص البصري/الصورة، والنص الكتابي) . حيث قال إنّ الغلاف الخارجي أظهر صورة رمزية تشكيلية متخيلة لطائر الفينيق المنبعث من النار من وسط لجة متحركة مما يشبه السديم أو أمواج البركان البحرية الصفراء المحمرة، ويبدو الطائر بجناحين عملاقين محلقين ورأس غير محدد الملامح تسبح هذه الصورة في خلفية سوداء مظلمة يناسبها اللون الأحمر الذي كتبت به حروف العنوان، هذه الصورة البصرية للفينيق تتماهى مع الصورة النمطية الذهنية للطائر الأسطوري المتخيل، وتدخلنا من البداية في جوٍّ تخيلي وقرائي خاص نلج فيه من عتبة الصورة والعنوان الرئيس للديوان، الغلاف الخلفي بلونه الأسود الغامق لا يبتعد عن امتداد لون الغلاف الأمامي ويسانده نصٌ مكتوب وصورة للشاعر نلحظ فيهما فينيقاً آخر لكنه بشريٌّ يتمثل في صورة الذات بجسمها المفتول، والصورة لا تهتم بملامح التشخيص للوجه بقدر ما تعطي انطباعاً بملامح الرمز في جلسة تأملية تقترب إلى حدٍّ ما من جلسة اليوجا في حركة اليدين ووضعيتهما لتأمل شيءٍ ما لا بد أنه في طريقه إلى الحدوث أو الخروج. ورأى أبو طالب أنّ هناك مفاتيح كثيرة للنصوص إلا أنّ القارئ للديوان لابدّ أن يلفت نظره الحزن وثنائية البياض والسواد، ويتبعه في النصِّ مؤشراتٌ أخرى منها ثنائية الأغلبية والأقلية ما بين تفاؤل وانكسار ما بين ذات تمثل الأقلية داخل نفسها وفي زاوية ضيقة كبصيص من هذه الذات وبين ما هو خارجها وهو الحزن الذي يمثل «الأغلبية الساحقة». وفي المداخلات تساءل الدكتور عبدالرحمن البارقي عن مشروعيّة حضور الزمان والمكان في الشّعر فيما رأى الشاعر أحمد التيهاني أنّ حضور المكان أمر لابدّ منه إلاّ أنّ حضوره في شعر البارقي كان حضوراً رمزيّاً . فيما رأى الكاتب يحيى العلكمي أنّ بعض المقاطع في شعر البارقي تصلح أن تكون نصوصاً مسرحيّة.