شهدت سجون المملكة على مدى الأيام القليلة الماضية، احتفالية كبرى تمثلت في أسبوع النزيل الخليجي الموحد الثاني الذي انطلق هذا العام تحت شعار «خذ بيدي نحو غد أفضل». وعمّت حالة من النشاط في مختلف سجون المملكة لتواكب هذا الحدث الذي يحمل في طياته معاني مهمة تبلور ما وصلت إليه حقوق الإنسان وبخاصة على صعيد السجناء، وما يجب أن تكون عليه. ورعى وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز هذه المناسبة في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض، التي اعتبرها مدير عام السجون اللواء إبراهيم بن محمد الحمزي تأكيداً على اهتمام القيادة الرشيدة بشؤون النزلاء والتوجيه الدائم برعايتهم وأسرهم وتهيئة السبل ليكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع، مؤكداً تعاون المديرية العامة للسجون مع مختلف القطاعات ذات العلاقة لتهيئة النزلاء وتأهيلهم وتدريبهم، لافتاً إلى الاتفاقية التي وقعت مؤخراً مع الصندوق الخيري الاجتماعي في هذا الصدد. واعتبر مدير عام السجون الأسبوع الخليجي فرصة لتغيير النظرة المغلوطة عن السجناء وتوعية أفراد المجتمع بأهمية رعاية السجين وأسرته واحتوائه والأخذ بيده ليكون عضواً نافعاً. وشدّد على أهمية حماية المفرج عنهم من التعرض للنبذ الاجتماعي والأسري، مناشداً مؤسسات المجتمع بجميع أطيافها المشاركة في دعم التوجه الإصلاحي للسجون وإعادة دمج النزيل بالمجتمع من خلال الرعاية اللاحقة له. مبيناً أن الدور الرئيس المنوط بالمديرية العامة للسجون يأتي في مرحلة ما بعد ارتكاب الجريمة، بغية إصلاح الجاني وإعادة تأهيله دينياً وثقافياً وتعليمياً ونفسياً واجتماعياً، مبيناً دعم وزير الداخلية لهذه البرامج الإصلاحية بما يسهم في تغيير مفهوم السجن إلى مفهوم المؤسسة الإصلاحية. وكشف اللواء الحمزي عن بعض النجاحات التي تحققت في هذا الصدد، ومن أهمها على حد تعبيره تعليم وتحفيظ كتاب الله وسُنَّة نبيه، مبيناً أن المديرية العامة للسجون وفروعها احتفلت خلال العام المنصرم بتخريج 47 حافظاً لكتاب الله، و 3947 حافظاً لأجزاء منه، كما أسلم 736 نزيلاً، في مختلف سجون المملكة. مؤكداً اعتزازه بتحقيق هذه النتائج. وبينما تعد المناسبة تذكيراً بما تقدمه السجون لنزلائها من جهود إصلاحية، فإنها تفتح المجال في الوقت ذاته أمامهم لإعادة دمجهم في المجتمع، بتعليمهم وتدريبهم وإتاحة الفرصة أمامهم ليعملوا وينتجوا، وصولاً إلى تسويق منتجاتهم. وقد تجلّى ذلك بوضوح في التجارب العديدة لسجون المملكة، التي تبذل كل جهد ممكن في هذا المجال. ففي منطقة القصيم، كشف مدير سجون المنطقة اللواء صالح بن عبدالله القرزعي، عن إتاحة الفرصة للنزيلات في سجون منطقة القصيم لتسويق منتجاتهن ومشغولاتهن اليدوية عبر الفعاليات والمهرجانات التي تقام داخل المنطقة وخارجها، مبيناً أن القسم النسوي بالسجون يورِّد سنوياً كميات من المشغولات والمبتكرات المنزلية لمختلف المهرجانات والفعاليات. وأكد اللواء القرزعي أن النزيلات يبعن ما تنتجه أيديهن من منسوجات وأواني حديثة أو ذات طابع شعبي قديم، مثمناً ما تلاقيه المشغولات اليدوية من إقبال كبير دعماً لهن وتشجيعاً لمهنتهن، ورفعاً لمعنوياتهن من قبل بنات جنسهن في المجتمع. وأشار إلى أن المشاركات تشمل عدداً من مهرجانات الأُسر المُنتجة مثل مهرجان إنتاجي عنيزة، فضلاً عن المشاركة في مهرجان الجنادرية، وفعاليات أسبوع النزيل الخليجي، وهي فعاليات تقام في مكان عام وموقع يضم أكبر المحلات الجاذبة للناس، ويحضرها جميع فئات المجتمع، بهدف توعية كافة أفراد المجتمع لاستيعاب طاقات النزيل والمساعدة على احتوائه بعد خروجه، خصوصاً أن النزيل يعاني من صدمة لدى الإفراج عنه نتيجة لنفور المجتمع منه. واعتبر مدير سجون القصيم أن لإشراك النزلاء والنزيلات بهذه المناسبات أثراً كبيراً جداً بسبب ما تنقله إليهم من إحساس بأنهم جزء فاعل في المجتمع، وأن لهم قبولاً في المجتمع وأن إمكانية اندماجهم فيه قائمة. من جانبها، علقت المُختصة في الاقتصاد المنزلي وتصاميم الملابس والنسيج انتصار بنت عبدالله، على مُشاركة النزيلات في الأسبوع الخليجي وغيره من الفعاليات بقولها «الحياة حلوة». وثمّنت تشجيع النزيلات على التفاعل مع المجتمع، واستعراض خبراتهن التي قد تدر عليهن عائداً مجزياً. وأثنت على العناية الكريمة من مسؤولي السجون لاحتوائهم مشغولات وأعمال وحرف ومنتجات مختلفة صُفَّت بطريقة جاذبة وأنيقة ومُتقنة. ودعت مسؤولي السجون إلى مزيد من الاهتمام بهذا الجانب بحيث يتاح للنزيلات بيع منتجاتهن من آن لآخر، بحيث يتم إشغالهن بأعمال مفيدة وإتاحة الفرصة لهن للاستعداد الجيد لهذه المناسبات. وقالت أتمنى أن نرى تلك المنتجات في البازارات النسوية والمعارض وأن يُخصص لهن جناح دائم أو ركن كنقطة توزيع دائمة لمُنتجاتهن؛ لسبب وحيد وهو أن ما رأيته واطلعت عليه عملٌ مُتقن نُسج بحرفية وإبداع. وقالت أعتقد أن هذا راجعٌ للوقت. وناشدت المسؤولين في السجون باستثمار تلك الجهود والطاقات على نحو متخصص، مُستدركةً في الوقت ذاته دور مسؤولات السجون وكفاءتهن وتأهيلهن؛ بحيث تخصص مجموعةٌ منهن في مجال التدريب. وترى انتصار السحيباني أهمية مشاركة أعمال النزيلات عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال رموز لهن كالمشاركة في برنامج الصور الإنستجرام بحيث يتم التصويت على مُنتج أو حرفة معينة. وتبدو أهمية هذه الفكرة في وقت انتشر فيه استخدام برامج التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، ما يجعل المنتجات التي تجهزها النزيلات، خاصة إذا أتيحت الفرصة لتصريف تلك المنتجات عبر شبكات وبرامج التواصل وهو ما يمكن أن ينهض بجودتها وكمياتها نتيجة لهذا التشجيع. وامتداداً لهذه الرعاية ولتلك الدعوات، أوضح مدير إدارة الشؤون العامة بمديرية السجون المكلف الرائد عبد الله بن ناصر الحربي أن المديرية العامة للسجون حرصت على إبراز هذا الأسبوع من خلال حملة إعلانية تستهدف كافة شرائح المجتمع منوهاً بتعاون عدد من الجهات والقطاعات وإسهامها في دعم هذه الرسالة. مبيناً أن البرامج التي تستهدف النزلاء لا تتوقف على مدار العام ولا تقتصر على أسبوع النزلاء. ونظمت سجون منطقة جازان احتفالية بالأسبوع الخليجي الموحد بالتعاون مع لجنة رعاية السجناء والمفرج عنهم بمنطقة جازان «تراحم» وعدد من الجهات الحكومية بالمنطقة بمركز الراشد مول التجاري. وشملت فعاليات المناسبة التي افتتحها مدير سجون المنطقة العقيد الدكتور شائع بن سعد القحطاني معرضاً لنماذج من أعمال النزلاء والنزيلات الفنية والخزفية والحرفية والمهنية التي تأتي نتاجاً للبرامج الاجتماعية المقدمة داخل السجون من مختلف الإدارات ومؤسسات المجتمع. وعلى حد ما أوضح مدير سجون جازان، شاركت عدة إدارات حكومية في هذه المناسبة التي تهدف وفقاً له إلى تغيير نظرة المجتمع تجاه نزلاء السجون والإصلاحيات، والأخذ بأيديهم ليكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع. وفي الرياض، أطلق مدير إدارة سجون المنطقة العميد مساعد بن صلاب الرويلي فعاليات أسبوع النزيل الخليجي الموحد الثاني وافتتح المعرض المصاحب الذي تشارك فيه لجنة رعاية السجناء بمنطقة الرياض (تراحم)، إضافة إلى عديد من الجهات الحكومية مثل المديرية العامة للسجون، وزارة التربية والتعليم، وزارة الثقافة والإعلام، والمطارات وغيرها من الجهات، ووسائل الإعلام المختلفة. وتخللت الأسبوع مجموعة من البرامج والفعاليات التي ركزت على التوعية، وعلى أنشطة اللجنة الوطنية لرعاية السجناء. وكان من أبرز الفعاليات التي شهدتها المناسبة، إبراز منتجات النزلاء والنزيلات وتسليط الضوء على ما أبدوه من قدرة على التفاعل مع المجتمع. وأبدى الزوار إعجابهم بالمعرض الذي أقيم على هامش احتفالية سجون منطقة المدينةالمنورة بأسبوع النزيل الخليجي الموحد الذي افتتحه مدير عام إدارة سجون منطقة المدينةالمنورة اللواء سالم البلادي. وضم المعرض الذي أقيم في مجمّع النور التجاري عدداً من أعمال النزلاء والنزيلات الفنية والخزفية والحرفية والمهنية، بالإضافة إلى البروشورات والكتيبات التوعوية والإرشادية والعروض المرئية فضلاً عن عدد من الرسومات التي أعدها النزلاء بهذه المناسبة. وأثنى اللواء البلادي على ما لمسه من تفاعل من قبل المجتمع ومساندة لجهود السجون في دمج النزلاء في المجتمع وتحقيق نوع من التفاعل بينهم وبين مجتمعهم بما يمكن أن يسهل عودتهم للتواصل الإيجابي معه.