شدد المشاركون في الندوة الثانية ل «ديوان دحام العنزي الأدبي» الثقافي، التي أقيمت مساء أمس الأول في الرياض، بعنوان «الاحتقان الطائفي.. الأسباب والمغذيات ودور المثقف تجاه الوحدة الوطنية»، على أهمية نبذ التعصب، والابتعاد عن خطاب الكراهية، ومغذيات الطائفية. وشارك في الندوة المعنونة ب «الاحتقان الطائفي: الأسباب والمغذيات ودور المثقف تجاه الوحدة الوطنية»، كل من الكاتب الدكتور زيد الفضيل، وعضو مجلس الشورى الدكتور عيسى الغيث، والدكتور بدر الإبراهيم، وأدارها الشاعر والإعلامي مفرح الشقيقي. وفي حديثه، أبدى الفضيل استغرابه من الاحتقان الحاصل ما بين المذهبين السني والشيعي في المملكة، لافتاً إلى أهمية أن يكون المشهد الثقافي والفكري متسيداً الخطاب العام خلال الفترة المقبلة. وأوضح أهمية أن يستمع كل طرف منهما للآخر بعيداً عن التعصب المذهبي، من أجل بناء الوحدة الوطنية، مبيناً أن من يقود الاحتقان بين المذهبين هم «أنصاف المتعلمين». وقال: «لا يمكن أن يلغي أحدٌ الطرف الآخر، ويمحيه من الوجود، ولهذا يجب أن يكون هناك تعايش لكافة المذاهب في المملكة»، مضيفاً إن الحلول لتلك المشكلة تكمن في تعزيز ثقافة المثاقفة وإعادة النموذج الحجازي، وإعادة «بلاغ مكة»، ثم طالب بإضافة المذهب الإسماعيلي للمذاهب في المملكة. وأفاد أن الانفتاح الإعلامي ساهم بشكل كبير في توسيع الفجوة الطائفية، وقال: «قبل 1980م لم يكن هناك انفتاح إعلامي بهذا الشكل»، مضيفاً إن التطور المعرفي ساهم أيضاً في الاحتقان. واتَّهم الفضيل أنصاف المتعلمين بزيادة الصراع الفكري الحاصل الآن، قائلاً: «اليوم الذين يقودون الاحتقان الطائفي ليسوا العلماء الربانيين، وإنما هم أنصاف المتعلمين الذين ظهروا على الساحة وأصبحوا يقودون المرحلة مما عمل على زيادة الشق ما بين المذهبين». وتابع: من حق أي دولة في العالم أن تخطط لاستراتيجيتها، و«علينا ألا نلوم الآخرين بأنهم يخططون، لكن علينا أن نسأل أنفسنا ماذا قدمنا؟». من جانبه، قال الإبراهيم إن خطاب الكراهية يعزز الاحتقان الطائفي، مشدداً على أن هناك من يستخدم الخطاب الديني في الجانب السياسي، وأن هناك من يسمون «علمانيو الطائفية»، يتصارعون على زعامة الطائفية، مطالباً بعدم إقحام الخطاب الديني في الجانب السياسي، ولافتاً إلى أن «الوحدة الوطنية هي التي سوف تساهم في الحد من الاحتقان الطائفي والتعصب المذهبي»، موضحاً أن الانتماء المذهبي هو انتماء إلى «فكرة أو مدرسة مذهبية معينة لها تفسير محدد للدين، بينما الطائفية هي حالة عصبية تنتج من خلال تسييس الانتماء المذهبي». وأوضح أن هناك من يستثمر ويستخدم خطاب الكراهية المذهبي في إطار التحشيد والتعبئة والتجييش وإيجاد حالة جماهيرية محتقنة قادرة على أن تكون في مواجهة الطرف الآخر المخالف لها، لافتاً إلى أننا أمام إشكالية استثمار الخطاب الديني في الحالة السياسية، مستبعداً أن يكون الخطاب الديني وحده من يُنتج الحالة الطائفية، بل إن هناك من يستثمر هذه الحالات بإيجاد عصبة مذهبية تتحرك في الفضاء العام. أما الغيث، فقال إن من أهم مغذيات الطائفية هي عدم القناعة بالآخر، مبدياً استغرابه من تعايش الأقليات في أمريكا وأوروبا والهند دون صراع مذهبي، كما يحدث في الدول العربية بين السنة والشيعة، مضيفاً إن الطائفية المذهبية تشبه إلى حد كبير القبائلية. ولم يبدِ الغيث أي مانع من أن يكون لأي مذهب مرجع من خارج البلاد، إلا أنه أنكر أن يكون الولاء خارجاً عن ولاة الأمور، وقال: «ولا فرق عندي بين شيعي ولاؤه للمرشد في طهران ولا سني ولاؤه لمرسي في القاهرة، فكلاهما سواء عندي، وولاؤهم لغير ولي الأمر صاحب البيعة في المملكة». وأوضح الغيث أن الطائفية باتت في الوقت الحاضر مصدر «استرزاق»، مشيراً إلى أن هناك متخصصين في العقيدة وهم الأكثر تشدداً في المذاهب. وفي الفترة المخصصة لمداخلات الحضور، طرح المهندس منسي الحسون سؤالاً: «كيف لنا أن نتعايش ونحن نُشتم في كل صلاة جمعة من أئمة المساجد حينما يقول الإمام (اللهم عليك بالشيعة والروافض)»، وأوضح أنه لا أحد يستطيع أن يلغي وجود الآخر، مشدداً على أهمية التعايش والحوار. وأجاب الغيث على مداخلة الحسون بقوله: «إذا كانت التعليمات جاءت بتحريم الدعاء على اليهود والنصارى في المساجد والجوامع، وإنما جاءت على المعتدين من اليهود والنصارى، فمن باب أولى ألا يكون على طوائف المسلمين وهذا مخالف للشريعة والنظام». من جانبه، عبَّر وكيل جامعة القصيم الدكتور أحمد الطامي، عن إعجابه بالتعايش في بعض دول العالم، ولفت إلى أن التعليم لدينا في حاجة إلى زيادة جرعات الانتماء الوطني وتعزيز الهوية الوطنية من خلال تربية الأطفال منذ الصغر على عدم الالتفات إلى التعصب الطائفي والتركيز على الوطن. وفي مداخلته، قال مساعد رئيس تحرير «الشرق»، مدير مكتب الرياض، الزميل محمد الغامدي: منذ منتصف الثمانينيات كانت المعركة قائمة بين الحداثة والأصالة، حينما كانوا يتحدثون عن فصل الدين عن السياسة، ولكن المعركة تحولت في الوقت الراهن إلى معركة طائفية، من خلال تسييس الدين، مشيراً إلى أن المجتمع الإسلامي ما زال غارقاً في الطائفية في ظل سكوت التعليم عن ذلك. وأكد عدد من الحضور أهمية تعزيز ثقافة التعايش والتوافق بين المذاهب المعاصرة، والابتعاد عن مسببات ومغذيات التطرف الديني، والالتحام حول الوحدة الوطنية، معربين عن أملهم أن يكون لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني دور مهم وبارز في نبذ العنصرية الطائفية.