خلال ثلاثين عاماً مارس تيار الصحوة الوصاية على المجتمع السعودي بمختلف شرائحه وفئاته، وقد كانت لتلك الوصاية عواقب وخيمة على المجتمع بأكمله من عدة نواحٍ: اجتماعية، اقتصادية، ثقافية. وكان لها الدور الأكبر في تعطل التنمية في مواقع عديدة، وإيقاف العديد من النشاطات الثقافية والفنية الموجودة في مسارح التلفزيون في مختلف المناطق والأندية الرياضية؛ التي كانت عامرة بالفعاليات التي وأدها تطرف الصحوة، وحل مكانها مراكز صيفية وأشرطة الكاسيت والجهاد الأفغاني. أسهمت الثورة الإيرانية والغزو السوفييتي لأفغانستان في انتشار فكر الصحوة بين الشباب، واعتلى دعاة الصحوة جميع المنابر وأخمدوا كل منبر لا يخدم أجندتهم ويسهم في نشر فكرهم؛ من أجل الوصول لمبتغاهم وهو ولاية الفقيه السنية في بلاد الحرمين، ما خدم الصحوة وفكرها أن الدولة لم تجابه الصحويين إلا عندما واجهوا الدولة علناً أثناء حرب الخليج، وبعدها بعد أكثر من عشر سنوات على انطلاق فكرهم ووجود دعم من الدولة لهم أسهم في هذا الانتشار الكبير، مع أن الحكمة كانت تقتضي أن تقف الدولة ضد هذا الفكر بجميع إمكاناتها، بعدما عانت في حادثة احتلال المسجد الحرام من قبل الهالك جهيمان وزمرته. منيت الصحوة بضربات كبيرة أسهمت في انكسارها بعد سجون رموزها والتحول الفكري للبعض منهم ومرض أحدهم، وأسهمت أحداث الحادي عشر من سبتمبر وأحداث الإرهاب في المملكة العربية السعودية (2003 – 2006) في ذلك، وحاولت الصحوة استجماع قواها والعودة لمجدها القديم، فخرج مريدوها من دعاة ووعاظ الصفوف الخلفية فيها بعد تساقط صقورها الجوارح في تجمعات وممارسات غوغائية هدفها الوصاية ومحاولة طلبنة المجتمع، ضاربين عرض الحائط بالدولة وأنظمتها ومؤسساتها. عندما تم دمج رئاسة تعليم البنات ووزارة التعليم قام عدد من أنصار الصحوة بالتجمع في مظاهرة أمام منزل المفتي، وقد تعاملت قوات الأمن معها فوراً. كانت تلك الحادثة في بداية العودة لتيار الصحوة من خلال النزول للشارع، ثم تلتها أحداث معرض الكتاب منذ 2006 وحتى 2011 في كل عام تجد مسرحية هزيلة أبطالها هؤلاء المتطرفون، ولا ننسى جامعة اليمامة والحادثة الشهيرة والتي كشر المتطرفون عن أنيابهم وضربوا بالدولة وأنظمتها وهيبتها عرض الحائط، باقتحامهم مسرح جامعة وإيقاف العرض بالقوة والاعتداء على الممثلين والمنظمين ورجال الأمن؛ بذريعة إنكار المنكر في عرف الصحوة وفكرها. سخرت الصحوة إمكاناتها لمجابهة برنامج الملك عبدالله للابتعاث بالتقليل من شأنه، وتأليف القصص المفبركة حول فساد الشباب والشابات، وتنصرهم وعملهم في المراقص والبارات وتعاطيهم للمخدرات وغيرها، لكن المجتمع الذي صمت لسنين طويلة قد أفاق من سباته، ولفظ الصحوة ووصايتها، ووقف مع هذا البرنامج، وأرسلت الأسر أبناءها وبناتها لنهل العلم والاستفادة من هذا المشروع التنموي العظيم لأجل آلاف من شباب وشابات الوطن. مشروع الصحوة القديم قد انهار ولن تنجح محاولات وعاظ الصحوة لإعادة بنائه، لأننا الآن في عصر ثورة المعلومات والتقنية والتكنولوجيا التي تحتاج لعقول نيرة واعية لا لعقول تافهة مؤدلجة مسيسة.