يبدو أن اللائحة الخاصة بتنظيم العمل الإعلامي ستصدر بعد انقراض الصحف الورقية، بمعنى أن كثيراً من اللوائح تأتي في وقت متأخر والمفترض أن يكون التنظيم أولاً بوجود لائحة يتكئ عليها المستفيدون؛ كي لا تحدث اجتهادات متضاربة أيا كانت صائبة أم خاطئة، وحتى أيضاً لا يُظلم البعض ببعض القرارات الفردية، وأعرف أن هيئة الصحفيين السعوديين تأسست منذ أكثر من عقد من الزمن وأول مبادرة لها إقامة هيكل إسمنتي ضخم في الرياض، أي أن تركيز مجلس إدارتها انصب على الجانب المادي، أما آلية العمل الإعلامي وتنظيمه وفق شروطه وضوابطه وأنظمته وقوانينه فما زالت في طي الدراسة والمراجعة والتدقيق، وربما تخرج بعد أن تصبح الصحف الورقية في عداد الأموات بسبب التنامي الإلكتروني المذهل الذي أصاب مفاصل الحياة لكل شرائح المجتمع. والتحدي الأكبر الذي أشار إليه الدكتور هاشم عبده هاشم رئيس تحرير صحيفة عكاظ في محاضرته الموسومة (تحديات الصحافة السعودية) وألقاها في جامعة تبوك الأسبوع المنفرط -في ظني- يأتي التحدي الإلكتروني كأول التحديات أما البقية التي أشار إليها، كالمهنية والاقتصادية والرقابية والمجتمعية والثقافية فهي صعوبات يمكن لكل صحيفة تجاوزها بما تملكه من إدارة جيدة وعمل صحفي خلاق وجودة في المنتج الصحفي، هذا إذا أسعفها الوقت مع الثورة التقنية المذهلة. فالتحدي ليس فقط في مواجهة الصحف الرقمية فحسب بل في جميع وسائل الاتصال الاجتماعية السريعة التي تتنامى يوماً بعد يوم بل لحظة بعد أخرى وبشكل كبير، خصوصا خدمة «الواتسآب» التي يمكن أن نطلق عليها العملاق الإلكتروني، ففي الوقت الذي كانت الصحف الورقية متسيدة الساحة الإعلامية نلحظ أن «الواتسآب» يستهوي جميع شرائح المجتمع ولم يسلم من هذا الزحف الإلكتروني حتى الأطفال، وأصبح كل فرد في الأسرة يستقبل ويرسل ويتفاعل ويحرر الخبر ويلتقط الصورة ويطلقها للآخرين في حينها؛ لتُحلق الرسالة في فضاء إلكتروني يتداوله مستفيدو هذه الخدمة، وهكذا فرضت هيمنتها لتحل محل الصحف الرقمية والورقية، لاعتبارات عديدة في كونها تتميز بسرعة نشر الأخبار والتقارير المتنوعة ساعة حدوثها ومن أية بقعة في العالم، فضلاً عن تقديم المادة الخبرية بالصور المتحركة المباشرة، وهذا ما تعجز عنه الصحف الورقية التي تراجعت في الآونة الأخيرة بشهادة أحد أعمدتها، وما نص المحاضرة إلا كشف واضح لما سيلحق بالصحف الورقية. حيث قال: إن أبرز الصحف المحلية في وقت ذروتها تطبع ما يقارب 150 ألف نسخة يوميا، ونقول: إن هذا الرقم كان في وقت مضى، أما الآن بطبيعة الحال فقد تقهقر وبشكل كبير لدرجة أن القائمين على الصحف لا يجرؤون الإعلان عن الرقم الحقيقي لعدد مبيعات صحفهم بعد حسم الرجيع. التحدي الأكبر للصحف والأخطر هو التحدي الإلكتروني وإذا كان الرقم الذي أشار إليه الدكتور هاشم في ذلك الحين يعد كبيرا؛ فإن هذا الرقم يعد ضئيلا جداً بعدد متابعي «الواتسآب» الذي يتعاطاه الملايين من البشر، فرسالة مؤثرة وقوية يتناقلها «الواتسآبيون» في غضون دقائق لتصل كافة أرجاء المملكة بل تمتد إلى آفاق أبعد، إذا انبثق تحدٍ جديد وهو ملاحقة الوقت؛ فحين تستغرق نشر خبر مهم في صحيفة 24 ساعة نلحظ أن الوسائل السريعة تتناقله في ذات اللحظة بالكلمة الموجزة والصورة المعبرة، وتأتي الصحف الورقية كحصان جريح دون أن تتمكن من ملاحقة التحدي الأخطر وهو «الزمن»؛ ففي زمن الفيمتو ثانية لم يعد لليوم أو حتى الساعة قيمة فالوقت يتسارع بشكل مذهل، وهذا ما جعل الأخبار في الصحف الورقية محروقة أو بحسب المصطلح الإعلامي الدارج «بايتة»؛ فالمتتبع لأي خبر مهم أو حتى عادي لا يحتاج إلى انتظار طويل وممل، بل سيحرص على الوصول إلى الخبر بالوسيلة الأسرع والأقل تكلفة مادية. ولهذه الأسباب وغيرها الصحف الورقية مُقبلة على «الانطفاء» بعد زمن عاشت فيه متوهجة، وهذه سنن الحياة، فالوقت لا محالة قادم.. قادم في أن تصبح الصحف الورقية ذكرى من الماضي مع الغزو الإلكتروني من كل حدب وصوب.