من المعلوم أن المال هو عصب الحياة، وبه يشبع الإنسان حاجاته الأساسية من مأكل ومشرب وملبس، وبه يُعزّ الإنسان نفسه عن ذل السؤال. وبذلك صار على كل مسلم مطالب باستثمار ماله فيما يعود عليه بالربح الحلال. ولكن قد ينحى بعض الناس منحى آخر عن الوظيفة الأساسية للمال، ويميلون عن الطريق الصحيح لاستخدامه، فتراهم يتعاملون به في معاملات محرمة بإيداعها في البنوك واستثمارها بما يسمونها فوائد وهي في الحقيقة معاملات ربوية، حرّمها الشارع بالنص. وهذا ناتج عن ضعف الإيمان والله المستعان. بل ويبرّرون فعلهم هذا بالحاجة وقلة العمل والبطالة. مع العلم أن أوجه الحلال كثيرة ولله الحمد، وإن وجد بعض المعاملات المالية المحرمة فهي من باب الاستثناء وليس من باب العموم، وليس أدلّ على ذلك من القاعدة المعروفة عند الفقهاء (الأصل في المعاملات الحل والإباحة). والناس في هذا الجانب ينقسمون إلى أقسام: 1. قسم لا يعطون أي اعتبار للحل والحرم في المال، فهم يريدون أن يأتيهم المال بأي طريقة كانت وعلى أي وجه كان، سواء كان حلال أو حرام. بل ووصل الحال إلى بعضهم بفصل المعاملات المالية عن أحكام الفقه. وكأن لسان حالهم يقول: \"دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر\"، ولا يهمهم صنف البنك الذي يتعاملون معه، طالما أن من وراء هذا المعاملات عوائد مادية كبيرة. 2. وفئة تتبع الفتوى التي تميل إليها النفس، وتميل إلى الأخذ بالرخص، ولا تجتهد في البحث عن الأدلة والحقيقة. 3. وفئة تتجنب الشبهات عملا بقول الرسول : ((فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)) وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ] البقرة: 278[ هناك مجموعة من الضوابط متفق عليها من قبل الفقهاء مستنبطة من الشريعة الإسلامية لاستثمار الأموال بعيداً عن الربا، ومن أهمها: 1. استثمار المال في مجالات الحلال الطيب من المشروعات والطيبات. 2. المشاركة في الربح والخسارة وهو ما يسمى بالفقه (الغنم بالغرم). 3. المحافظة على المال وعدم تعريضه للهلاك. 4. تنمية المال بالاستثمار حتى لا تأكله الزكاة. 5. ربط الربح الحلال بالمخاطر، فكلما زادت المخاطر زادت العوائد، ولا ربح حلال بدون مخاطر. 6. لا كسب بلا جهد ولا جهد بلا كسب. بالإضافة إلى ضوابط كثيرة وضعها الفقهاء باجتهادهم يضيق المقام لبيانها. والذي يحفّز الإنسان المسلم على الاستثمار الحلال الطيب هو استشعاره وإيمانه بأن المال هو مال الله وأنه مستخلف فيه، وأن الله يبارك بالحلال ولو قلّ ويمحق الحرام ولو كثر، وأنه سيُسأل يوم القيامة عن هذا المال ويحاسب عليه. وهناك طرق كثيرة لاستثمار المال بالحلال، منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: 1. الاستثمار الذاتي: وهو أن يقوم صاحب المال بتشغيل ماله بنفسه، في أوجه الحلال. وأوجه الحلال كثيرة ولله الحمد. فجميع أنواع الاستثمار حلال إلا ما نصَّ الشارع على حرمتها. 2. الاستثمار في نظام المضاربة الإسلامية: وهو أن نوع من أنواع المشاركة بين صاحب رأس المال وصاحب العمل والاتفاق بينهما على توزيع نسبة من الأرباح لكل منهما. يعني تطبيق قاعدة (الغنم بالغرم). بدون أن يكون هناك ضمان لأي منهما إلا في حالة التعدي، ويجب أن يكون في مجال الحلال. 3. الاستثمار بطريق المشاركة: سواء كان نظام الشركة تضامن أو توصية أو محاصة. وهو أن يشترك شخصان أو أكثر في استثمار معيّن يقدم كل منها المال والعمل، على أن يقتسما الأرباح والخسائر بينهما على حسب نسبة مشاركة كل منهما في رأس المال. 4. الاستثمار في أسهم الشركات المساهمة: وهي مجازة عند الفقهاء المعاصرون لقيامها على أساس قاعدة (الغنم بالغرم) بشرط الحل في تجارتها الأساس. وتعتبر بصفة خاصة من دعائم الأنشطة الاقتصادية في كل دولة، فهذا أفضل من إيداع البنوك بفائدة. 5. الاستثمار بنظام المضاربة الإسلامية في البنوك الإسلامية: حيث يعتبر المصرف الإسلامي هو صاحب العمل في نظام المضاربة الإسلامية السابق شرحه في الطريقة الثانية. ومن الممكن أن يكون صاحب العمل وصاحب المال بنفس الوقت، حيث يقوم بدور الوسيط بين صاحب المال وصاحب العمل. ختاماً: فإنَّ الله قد أحلَّ البيع في المال الحلال، وحرّم الربا وجعل كسبه ممحقة للبركة، وإن الله إذا حرَّم باباً من أبواب المعاملات المالية فإنّه يفتح أبواباً كثيرة للحلال. كما يجب على المؤمن تحرّي المعاملات المالية الحلال والبعد عن الحرام والشبهات، وليس هناك موعظة تقي الإقلاع عن المعاملات المحرمة أوعظ من قوله تعالى  واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله  في آخر آيات الربا. والله الهادي إلى سواء السبيل.