وبدونه لا يمكن فهم أيّ نص لغوي واستيعابه، وإذا انتزعت جملة من سياقها، فإنها يمكن أن تؤوّل بشتى التأويلات، ومن ثمّ يحكم عليها بمختلف الأحكام، ومنها التكفير والخروج من الملة، وأشهر قضية في هذا الصدد، كتاب الشعر الجاهلي لطه حسين الذي صدر في عام 1926، وهزّ أركان العقلية السائدة، وبادر الكل من علماء وكتّاب وخاصة محمد الخضر حسين التونسي الذي عينه عبدالناصر فيما بعد شيخاً للأزهر إلى تكفيره، وهذه الزوبعة حفزت محمد نور النائب العام أيامها إلى أن يحقق في القضية، وأسفر تحقيقه عن تبرئة طه حسين من المروق والخروج من الملة، مستنداً على أنّ الذين كفروا طه حسين، استلبوا جملاً من سياقها وبنوا حكمهم عليها، وهناك مثل آخر على استلاب جملة أو بيت شعر من سياقه، فأبو تمام قال: السيف أصدق أنباء من الكتب *** في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب وقد كفّره جماعة من المثقفين، منهم مع الأسف محمد الرميحي، زاعمين أنّه يقصد كلّ الكتب، بما في ذلك القرآن، ولو رجعوا إلى السياق، لوجدوا أنّ أبا تمام يقول والعلم في شهب الأرماح لامعة *** بين الخميسين لا في السبعة الشهب أين الرواية بل أين النجوم*** وما صاغوه من زخرف فيها ومن كذب أي أنّ أبا تمام يقصد كتب المنجمين، وليس الكتب المؤلفة والمألوفة، فحذار من الذين يستلبون الجمل من سياقها ويبنون حكمهم عليها.