وصلتني قبل أيام رسالة معبرة من كاتب تقول «بعد الخروج من سيل القطيع حتما ستشعر بالوحدة، ولكن الثبات كفيل بأن يجمع علينا شمل أنفسنا، ويمكننا من الإمساك بزمام حياتنا»،عبارات مهمة لأننا نعاني مما يعرف بعقلية القطيع، وسيلها الجارف الذي يحملنا إلى مواقع لانريدها، ويجبرنا على اتخاذ قرارات لا تناسبنا، ويحملنا من الأعباء مالاطاقة لنا به. بالطبع لا يعني ذلك أن كل ما يقوله أويفعله الآخرون خاطئ، خصوصاً وأن الإنسان بفطرته يتأثر بمن حوله، وربما يعتقد أن إجماع الناس على شيء ما معناه أنه صحيح، ولكن فكرة الانقياد للغير دون قناعة تفقد الإنسان إرادته، وتجعله يحس بالضغط والتوتر، وقد تدفعه للشك في اختياراته، سواء كان هذا الانقياد في المظهر أو السلوك أوالعادات أو التفكير أو القرارات. من ينظر- على سبيل المثال فقط- إلى بعض الظواهر والأفعال التي يقوم بها الناس بتأثير من الآخرين ربما دون أن يشعروا يلمس هذا التوجه الطاغي في المجتمع: عندما يذاع خبر افتتاح محل تجاري، أو مقهى جديد تجد الغالبية تسارع للذهاب إليه حتى لا تجد محط قدم. إذا سافر أحد إلى بلد ما يصبح هذا المكان وجهة معظم الناس. التشابه في ديكور وتصميم وأثاث المنازل، فالتركيز على تعقب الآخرين أكثر، لذلك تجد البيوت أحياناً لا تتلاءم مع ساكنيها ولا تحمل طابعهم. حالما انتشرت موضة المدارس العالمية اندفع الآباء والأمهات لتسجيل أبنائهم فيها بناء على ماسمعوه قبل عملية بحث للتأكد من مستواها. خدمة ما يعرف «بالواتس آب» أصبحت وسيلة لتوصيل النصائح الصحية، والأخبار والمعلومات والفتاوى غير الموثقة، التي تهدف إلى توجيه الناس إلى غاية أو مصلحة ما، وكلما وصلت رسالة إلى أحد أعاد إرسالها إلى غيره دون أي مراجعة أوتفكير. الآراء السياسة والدينية التي يعتنقها البعض جهلاً أو رياء أو خوفاً من ضياع مصلحة أو رغبة في الحصول على القبول والتأييد. حتى التعليم الذي يجب أن يكون بعيداً عن التلاعب والاستغلال وقع ضحية التنافس غير الشريف والجري وراء الأفكار والنظريات وتطبيقها دون بحث وتقييم. في المجتمعات التي تمارس الوصاية على عقول الناس ولا تشجع على استقلالية التفكير، تسود تلك العقلية بشكل أوضح ويتحول الناس إلى نسخ مكررة، وقد يتخلى البعض منهم عن قناعاته حتى ولو كانت صحيحة تجنباً للنقد ورغبة في كسب الرضا والقبول، وبالمقابل هناك أشخاص قلة لا يستسلمون بهذه السهولة، ولديهم - كما تقول الرسالة - القدرة على الثبات الذي يعني الاستعداد لتحمل نتائج الاستقلال في المواقف، والتحرر من عبودية الأفكار والعادات الزائفة حتى ولو شعروا بالوحدة والعزلة، فالوحدة بالنسبة لهم فرصة للتساؤل والتفكير والبحث للوصول إلى ما هو مهم وحقيقي في حياتهم.