في أيّ مشهد للوجد أو للفرح أو حتى للحماسة والتأهب للنزال نرى: الزير والطبل والمزمار عند أهل الجبل الربابة لأهل الصحراء الناي لرعاة الأغنام السمسميّة لأهل البحر الدفوف في الأعراس العود والأورج والجيتار لأهل المُدن القربة وآلات النفخ النحاسية للاستعراض والفرق العسكرية.. الخ الحكاية: كان يا ما كان وكان هذه (فعل ماض) حينما يدلف راكب الخطوط الجوية العربية السعودية من باب الطائرة تستقبله موسيقى محليّة النغمات من تأليف الموسيقار سراج عمر وترافقه ابتسامات المضيفات حتى جلوسه في المقعد مما يبث في وجدانه شعوراً بالطمأنينة وحميميّة المكان. تغيّر كل هذا وأُسدلتْ على المشهد ستائر الوحشة وطقوس المقابر فأصابت الأرواح حالة تصحّر شديدة. انسحب هذا الكلام على بقيّة المناشط الإنسانية الفرائحيّة مثل الاحتفالات والأعياد وحتى الأعراس طُمس فيها الفرح وحل التجهّم على السحنات وكأن تلك المناسبات مآتم تستجلب العبوس وإظهار الحُزن والضجر. أصبحت الموسيقى وهي مُنتج بشري مُستلهم من أصوات الطبيعة التي أبدعها الخالق العظيم هاجساً مرعباً لدى البعض لدرجة السؤال قبل تلبية أيّ دعوة احتفال "هل هناك موسيقى" حتى لو كان عزف وترديد للسلام الملكي!! ثم اجتهد البعض وكتبوا عبارة "بدون موسيقى ولا دفوف" على مشاهد منقولة في برامج التواصل الاجتماعي لضمان مشاهدات أكثر. فعلاً أمر عجيب غريب يصعب تصديقه ونحن في القرن الحادي والعشرين. حسب الشاعر العبقري شكسبير(1564-1616) بأن ليس هناك ثمّة إنسان خشن، غليظ القلب، سيئ الطبع، لا يُمكن للموسيقى أن تُبدّل طبيعتهُ هذه ولو للحظه، والإنسان إذا خلت نفسهُ من الموسيقى، ولم يهزّهُ تآلف الأنغام الرقيقة، قادر على ارتكاب المكائد. ليس هذا فحسب بل تُعتبر الموسيقى عُنصراً داعماً لأيّ اُمة، هاهو صانع سنغافورة الحديث وباني نهضتها (لي كوان يو) يقول " في اليوم الوطني لدولة سنغافورة في حزيران 1965م شاركت فرقتنا في العرض، كما شارك عازفون من بعض المدارس الثانوية. أظهرنا "لكوالالمبور" أنهم لا يستطيعون أن ينتقصوا من قدر شعب مُصمم وواسع الحيلة، وفيما بعد وسّعنا البرنامج بحيث يشمل الجامعة وسرعان ما صار لدينا فرقة موسيقيّة للشباب. كنت أعتقد أن الموسيقى جزء ضروري من بناء الأمّة، إنها ترفع الروح المعنوية للشعب. قُلت: حُرّ هو من لا يرغب بسماع الموسيقى لكن ليس من حقّه فرض قناعاته تلك على الآخرين وسلامتكم. لمراسلة الكاتب: [email protected]