مادة الكيمياء الحيوية الفيزيائية كانت إحدى المواد الجميلة التي درستها في مرحلة البكالوريوس وأعترف لكم أنني لم اكن أستوعبها تطبيقياً بقدر ما كنت أعتبرها مادة نظرية مليئة بالقوانين والرسومات التفصيلية لأجهزة مختلفة، وحتى حين عدت بعد حصولي على الدكتوراه وقمت بتدريسها لم أخرج من دائرة الروتينية المطلوبة في التدريس نظراً لأنني كنت في طريقي لمفارقة الوسط الأكاديمي الذي لم تكن قدراتي على توافق تام معه. وبدلاً من أن أشغلكم بأمور شخصية، لنعد لمسمى المادة "الكيمياء الحيوية الفيزيائية" وهو مسمى معقد، لكنه يختصر لك التداخل المعرفي في العلوم التطبيقية، فلا حدود في العلم فهو متداخل ومتشعب. وهذا سينقلنا لقانون بسيط كنا نحفظه يتحدث عن امتصاص المادة للضوء وعن إشعاعها الضوئي أو الطيف الضوئي، أعترف لكم أني كنت أحفظه وأردده بدون أن أشعر أو أستوعب أنه يشكل أساساً لأشياء كثيرة حولي. فمثلا ارتباط الحمض الوراثي بمادة بورميد الأثيديوم هي التي تجعلني أرى ذلك الخط المشع تحت عدسة الكاميرا المقربة وتحت طيف ضوئي معين وهنا أتحدث عن مادة حيوية وتفاعل كيميائي وجهاز يعتمد على القوانين الفيزيائية. حين أرى ارتباط كاشف حيوي مشع بأحد البروتينات التي أدرسها داخل الخلية لأحدد مكان هذا البروتين فإنني أستخدم المايكروسكوب بطريقة روتينة أغيّر من "طول موجي" لآخر وتغيير الطيف الضوئي بدون أن أفكر أو أستوعب تطور الميكروسكوبات والتي انتقلت من الميكروسكوب الضوئي البسيط إلى الميكروسكوب الإلكتروني أو الضوئي الفلوري إن صحت التسمية. وأنا هنا مجرد مستخدم يستفيد من تقنية متطورة لإكمال أبحاثه. ولعل الإعلان عن الفائزين في جائزة نوبل للكيمياء هذا العام جعلتني أتوقف قليلا وأتأمل كل هذه الأجهزة حولي والتي أستخدمها بشكل روتيني يومي في دلالة على إنسيابية العلم بكل مجالاته وتطبيقاته وتداخله. فالفيزيائيون الثلاثة من خلال أبحاثهم المستقلة كل منهم سعى لتحسين نوعية الصور الحيوية التي يمكن الحصول عليها عبر المايكروسكوب، هنا كان تقليص المساحة بين النظرية والتطبيق، فنحن نتحدث عن فن الممكن وليس عناد الرغبة في نقض النظريات أو رفض القوانين العلمية، فالنظرية تتحدث عن حدود معينة لما يمكن أن يشاهد بوضوح تحت الماكيروسكوب والقانون يحسب أبعاد الأجسام وإمكانية مشاهدة تفاصيلها حسب معادلة معينة والهدف هنا كان تجاوز هذه الحدود لفتح آفاق بحثية جديدة وإزالة القيود عن ما يمكن أن نراه تحت المايكروسكوب بحيث يمكننا ان نرى أدق وأصغر الأشياء. فيزيائيون ثلاثة يطورون تقنية تطبيقية فيزيائية كيمائية تستخدم كثيراً في الأبحاث الحيوية، هنا تعرف أن العلم لا حدود له وأن التخصصات العلمية تكمل بعضها البعض وتخدم بعضها البعض. التخصصات العلمية ليست جزراً معزولة كل منها عن الآخرى بل هي متداخلة أكثر مما نتوقع في العلم لا توجد حواجز بل إن العلم وظيفته ان يقضي على هذه الحواجز.