يمكنك أن تجمع الإنجازات البشرية منذ بدء الثورة الصناعية وحتى الآن في صفحات مخزنة على الانترنت، وداخل الكتب وفي تاريخ الذاكرة مقروءا ومكتوبا ومصورا ومسجلا، كما يمكنك أن تختصر علامات الخراب والدمار التي ساهمت فيها البشرية في حروب عالمية وقلاقل متفرقة وصراعات مفتعلة وأعداء من صنع الذاكرة أو من واقع الأفعال، حرب استنزاف، حرب مياه، حرب اقتصادية، حرب معلوماتية وللحروب أسماء حسب معطيات المرحلة! تدمير لمصادر البيئة، تلوث، فقر، جهل والقائمة تطول! ويمكنك أن تركز على هذا الجانب أو ذلك لتتحدث عن مجتمعات منتجة مفيدة للبشرية أو عقول مدمرة تقتات على الحرب، وفي الحالتين أنت تنحاز لصورة معينة على حساب الأخرى. لكننا سننحاز اليوم، ربما لأننا نريد أن نتنفس هواء نقيا، ربما لأن عقلنا يريد أن يفكر باتجاه معين أقول ربما! منذ اكتشاف المايكروسكوب ونحن نحاول أن نكتشف دواخلنا وما يحيط بنا سواء أكنا منشغلين بأنسجة وخلايا جسمنا وما يحدث داخلها أو بمتابعة نجم يظهر أو كوكب يتوارى. تطور المايكروسكوب بتطور العلم والحاجة لتطبيقات جديدة تساعدنا للاقتراب أكثر، فمن المايكروسكوب الصغير بعدساته المقربة إلى المايكروسكوب الإلكتروني بأشعة ضوئية مختلفة تستجيب لأنواع مختلفة من الصبغات تساعدنا أن نرى انتشار البروتين داخل الخلية أو تمركزه أو ارتباطه مع بروتين آخر مثلا. إلى المجاهر الضخمة الموجهة نحو السماء في محاولات استكشافية لا تنتهي. الصناعت التقنية تتفاعل مع حاجة المجتمع العلمي، كثير من الشركات الصناعية المعروفة تقوم بتطوير أجهزتها في تنافس يحقق الجودة النوعية بأسعار أقل، خلال خمس سنوات تطورت أجهزة المسح الجيني بحيث يمكن إجراء المسح لعينات أكثر في زمن أقل، مشروع الجينوم البشري ومنذ نهايته انطلقت الشركات لتطوير أجهزة تساعد على إنهاء التحليل الوراثي للجينوم الفردي في زمن قياسي، ومازالت التقنية تتطور خلال السنوات الثلاث الأخيرة تغيرت الأجهزة وتطورت التقنية ليس فقط من ناحية الأجهزة المستخدمة بل أيضا من ناحية البرامج التحليلية المطلوبة. ومثل هذا التطور التقني يساهم في توفر المعلومة بشكل أسرع، لكنه في نفس الوقت يطرح كثيرا من الأسئلة فنحن نتحدث عن الكثير من الأمراض المعقدة من ناحية المسببات البيئية والوراثية وهي أمراض لا نعرف عنها الكثير، ومازلنا نبحث في أسبابها، فكيف يمكننا أن نتعامل مع هذه التقنية لدراستها وماذا يعني لنا توفر المعلومة؟ هل هي نهاية الطريق، هل نصفق لأنفسنا ونقول عرفنا أو "وجدناها"؟ الإجابة تكون بالنفي، فمايزال أمامنا الكثير لنستفيد من هذه المعلومات ونضعها في إطارها الصحيح في النظام البيولوجي البشري، فمثلا اكتشافنا لموروثة ما أو ربطها بمرض ما، لا يعني نهاية الطريق، بل نحن بحاجة إلى أن نعرف دورها الدقيق داخل الخلية ومساهمتها في الأنظمة الحيوية التي تحكم الخلية، هل يختلف دورها من نسيج لآخر أو من خلية لأخرى؟ ما هي وظيفتها الطبيعية في الإنسان غير المريض؟ أسئلة كثيرة تولدها معلومة، فماذا لو جمعنا كماً هائلاً من المعلومات، ما أكثر الأسئلة التي سنتوقف عندها باحثين عن إجابة.