الكربون عنصر مهم جداً في حياتنا فهو يدخل في تركيب جميع المواد العنصرية وبعض المواد غير العضوية. ونظائره الثابتة هي الكربون 12 ويمثل حوالي 98.892% والكربون 13 ويمثل حوالي 1.108% أما نظائره المشعة فأهمها الكربون 14 والذي يبلغ عمر النصف له حوالي 5730 سنة وهو أكثرها ثباتاً. ويتكون الكربون 14 في الطبيعة بشكل مستمر بسبب تفاعل الأشعة الكونية مع ذرات النيتروجين، كما أنه يختفي أيضاً بمعدلات ثابتة بسبب انبعاث أشعة بيتا السالبة، حيث يتحول النيوترون في النواة إلى بروتون ومضاد النوترون وألكترون. ويستخدم الجيولوجيون أربعة أنظمة إشعاعية قياسية في تحديد أعمار الصخور والمعادن والمواد العنصرية، حيث تعتمد هذه الأنظمة على التحلل الإشعاعي لعناصر كل من اليورانيوم والبوتاسيوم والروبينيوم والكربون 14. وتحدد العناصر الثلاثة الأولى عمر الصخور والمعادن، أما الكربون 14 فيستخدم فقط في تحديد عمر المواد العنصرية أو المواد الأثرية التي يقل عمرها عن خمسين ألف سنة 50.000 سنة وبالتالي فلا يمكن التأريخ للمصدر الجيولوجي بهذه الطريقة إطلاقاً. ولعل الكربون 14 هو أهم طريقة يستخدمها علماء الآثار والانثروبولوجيون الفيزيائيون لمعرفة الأحداث خلال الخمسين ألف سنة الماضية. وتعتمد طريقة التأريخ بالكربون 14 على أن هذا الكربون المشع موجود في البنية الجزئية الطبيعية للكائنات الحية من نبات وحيوان؛ وحيث إن عدد الذرات المشعة يتناقص بمعدل منتظم، فإن هذه الذرات يمكن أن تعمل كساعة دقيقة يتحدد بها تاريخ موت حيوان أو نبات ما. والتاريخ بالكربون 14 مطبق بشكل واسع، حيث يندر أن نرى تقريراً يتعلق بعلم الآثار يخلو من الإشارة إليه. ولكن هنا بعض المشكلات في ذلك أهمها ضرورة استخدام كميات كبيرة نسبياً من العينات حتى يمكن الحصول على نتائج دقيقة. كما أن هناك احتمال حدوث تلوث للجسم بعد طمره بكربون حديث. وهناك مشكلة أخرى في مدى تطبيق الكربون 14؛ حيث إن هذه الطريقة تقتصر على تحديد أعمار الأشياء بدرجة جيدة ودقيقة إذا كانت تقل عن أربعين ألف سنة، وذلك لصعوبة فصل الإشعاعات الخلفية عن الإشعاعات المنبعثة من الأجسام الأقدم عمراً. وهكذا فإن علماء الانثروبولوجيا وعلماء الآثار لا يستفيدون أحياناً من طريقة الكربون 14، ذلك لأن الفترة ما بين 25.000 و 75.000 سنة تعد مرحلة حاسمة ومهمة في عمر الإنسان حيث كانت مصحوبة بتغيرات مناخية بالإضافة إلى تباين حيواني فان جدير بالملاحظة في تلك الفترة الزمنية ومن أجل التغلب على هذه المشكلات فقد ابتكر العلماء طريقة تعتمد على استخدام الكربون المشع مع إضافة تقنيات حديثة من أهمها استخدام أجهزة الطيف الكتلي. بقى أن نذكر أن مبتكر طريقة الكربون 14 للتأريخ هو الكيميائي الأمريكي ويلارد فرانك ليبي (W.F. Libby) في عام 1947، ومن أجل ذلك منح جائزة نوبل في الكيمياء في عام 1960م.