حين تكون جزءا صغيرا من عالم البحث والاكتشاف، فإنك تعرف قوانينه التي تذكرك كل يوم بمدى جهلك، فكلما اقتربت وعرفت شيئا وظننك أنك بذكائك اللماح حللت مشكلة علمية معقدة تكتشف أنك مازلت تجهل الكثير. "العلم والبحث في حلة لمعضلة علمية يخلق عشرات المعضلات العلمية الأخرى" مقولة قرأتها ورسخت في مخي فهي تذكرنا بأن بحر العمل والبحث والاكتشاق واسع عميق. ومقولة أخرى سمعتها أو قرأتها ولعلي عشتها وأحب أن أرددها حين أرتدي معطف الباحث هي أنك قد تبدأ في بحث في اتجاه معين فتجد نفسك في اتجاه آخر، مثل الذي انطلق شمالا فوجد نفسه جنوبا. ولأن البحث طرقه متفرعة ومتشابكة فأنت لا تعرف أين تقودك قدماك؟ ولا أين يتجه عقلك ولا أين تأخذك استنتاجاتك؟ لذلك أنت تبدأ طريقك بعقل مفتوح لكل الاحتمالات وفكر يستوعب كل الملاحظات. وما أكثر الاكتشافات الإنسانية التي كانت محض الصدفة أو لنقل اكتشافات جانبية أو اكتشافات في اتجاه واحد قادت البشرية لاتجاه آخر فمثلا في فورة وهم الإنسان بأنه يستطيع أن يصنع الذهب من مكونات حيوية اكتشف الفوسفور، وفي انشغاله بالرديوم المشع وتسويقه لدى العامة اكتشف تأثيره الضار المميت، وفي لحظة تأمل في خريطة أطلسية اكتشف المتأمل أن السواحل على قارة هي مكملة لقارة أخرى، لتتضح الصورة أمام العلماء الجيولوجيين المشغولين بأحفوريات لكائنات استوائية اكتشفت في مناطق شديدة البرودة! إلى اكتشاف الألوان الصناعية التي استخدمت في عالم الأزياء والأثاث والفن لتجد طريقها بعد ذلك إلى المختبرات العلمية كي تستخدم لصبغ الخلية في محاولة لمعرفة مكوناتها الدقيقة مما أدى إلى الانشغال بالخلايا التي هي وحدة هذا الكائن الحي، إلى الدخول إلى عالم الكروموسومات التي تحمل معها الشفرة الوراثية! إلى الوصول إلى أساليب التحليل الجيني أو الوراثي التي تستخدم آخر التقنيات في علوم الفيزياء والكيمياء والحاسب لتحلل وتستنتج! عالم البحث من حولك متشابك ومتصل، فمثلا النظريات الفيزيائية البحتة تجد لها مكانا في المنطق حين تتحدث عن نظام بيولوجي داخل الجسم. التفكير في الطاقة وإعادة تدويرها وتلك الجملة التي رددناها برتابة مع أبلى فدوى أو أستاذ هشام: "الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم" تأخذ معنى آخر حين تفكر في المسارات الحيوية داخل تلك الخلية الصغيرة، أو حين تفكر في البخار واستخداماته عبر التاريخ البشري، أو حين تفكر في تأثير الميكروسكوب على التطور العلمي الفلكي والحيوي. طرق متفرعة ومتشابكة هذا هو البحث العلمي بكل فروعه ومجالاته!