خسر «خالد» صديق عمره «عبدالملك» بعد رفقة دامت أكثر من (17) عاماً، إثر مشادة كلامية حول تاريخ فريق كل منهما، فانتهى الأمر بهما أن تعدى الأمر كرة القدم ليصل إلى الفكر، ومن ثم القبيلة، لتكون تلك الليلة هي الأخيرة لعلاقتهما المميزة. قصص ومواقف أسرية كشفت الوجه الآخر للتناقض أمام الرغبة في التغيير .. بينما تحدى «عبدالله بن بكر» أسرته ليتزوج من «أم فيصل» التي أختارها عقله قبل قلبه ليكمل معها بقية حياته، رغم أنّها ليست قبلية، وبعد عِشرة امتدت إلى سبع سنوات أصبح الأمر يؤرقه كثيراً، والهمز واللمز على «خوال عياله» وأصول أبنائه، فبات يشعر بالندم، ليقرر الزواج من ثانية من قبيلته، وتكون أماً لأبنائه بدلاً عن «أم فيصل» التي اكتفى منها ب»فيصل»، رغم حبه الشديد لها، ولكن كانت العصبية القبلية حاضرة بكل مساوئها في حياتهما. من حقك الانحياز إلى القبيلة أو المنطقة أو الفريق المفضل ولكن من دون إساءة أو تقليل من الآخرين قصص كثيرة وأحداث متعددة تختلف حدتها بحسب تفهم الشخص وقدرته على احترام الطرف الآخر، وعلاقته به، فالتعصب لم يبق كما في السابق مشكلة عابرة، بل أصبح ظاهرة تسكن كل منزل على اختلاف أوجهها، وخصوصاً مع تنامي هامش حرية الرأي والتعبير في المجتمع، ومواقع التواصل الاجتماعي، والانفتاح على الآخر بوسائل تقنية، والقدرة على صناعة المواقف المرئية التي تبعث برسائل معينة لطرف أو أطراف أخرى؛ ونتيجة لذلك ظهر من هو متعصب فكرياً، وآخر رياضياً، والبعض مذهبياً، وقبلياً ومناطقياً، ويبقى السؤال دائماً: كيف يمكن أن نتخلص من التعصب داخل المنزل؟ وكيف يتدارك سلبياته الوالدين قبل أن يتطبع في الأبناء؟ تزمت فكري في البداية ذكرت «سعاد العمر» أنّ أسرتها يعتبرونها متعصبة لآرائها وقراراتها، مستدركةً: «للأسف، أنا موقنة بهذه السلبية، ولكن كيف يصلح العطّار ما أفسده الدهر؟، ففي أي حوار أدخل فيه أجد أنّ الجميع يتركني أتحدث كما أشاء، دون أن يدخلوا معي في أي نقاش؛ لمعرفتهم المسبقة بنتيجة الحوار الذي سينتهي بمشادة كلامية أو قطيعة»، مستشهدةً بما حصل لها مع أحد أشقائها الذي وصلت القطيعة معه أكثر من عامين؛ بسبب إصرارها على موقفها من قضية ما، مشيرةً إلى أنّه لو كان هناك تدارك من والديها لها في صغرها أو حتى شبابها لما أصبحت بهذا التزمت الفكري. مهما تغيّرت الوجوه يبقى الفكر أساس الحكمة والعقل الرشيد محبة وتعصب واعتبر «معيض الشهري» أنّه لا يخلو المنزل من تعصب، سواء أكان فكريا، أو رياضيا، أو قبليا، مبيّناً أنّه كشاب يحرص ألاّ يدخل في أي نقاش مع أي متعصب، واصفاً طريقته في التعامل معهم: «أعطيه جوه وأسكت، ولا أرفع ضغطي مع عقليته»، معتقداً أنّ التربية لا علاقة لها بالتعصب في مرحلة الشباب، حيث إنّ العديد منهم يرى أنّ تعبيره لحبه لفريقه الكروي ومعاداته للفريق الآخر دليل محبة، دون أن يعلم أنّه داخل دائرة التعصب، بل إنّ البعض منهم يدعي معاداته للتعصب، ولا يعي أنّه داخل دائرة أي نوع من التعصب الآخر. تعصب بالأثر وكشفت «أم ديم الشمري» أنّها تعاني كثيراً مع زوجها المتعصب فكرياً، والذي أثر كثيراً عليها دون علمها، وبالتالي باتت ترى النتائج على ابنتها ذات العشرة أعوام، مستدركةً: «بدأت أتدارك نفسي وأفسح مجال أوسع لي ولابنتي في الحوار، وأحاول أن أتمالك أعصابي لأفهمها بأنّ المواضيع لا تسير بطريق مسدودة، ولله الحمد أرى أنّ النتائج إيجابية». مستقبل ضبابي وبيّنت «أم عبدالمحسن الحربي» أنّ العصبية القبلية داء لم تستطع أن تخلص زوجها وأبناءها منه، حيث إنّ لديها ثلاث فتيات بسن الزواج ولكن زوجها يرفض كل من يتقدم إليهن من خارج قبيلتهم وأبناء عمومتهم، وهي تخشى على فتياتها من فوات قطار الزواج، مضيفةً: «دائما أذكّر زوجي بحديث الرسول الذي يحث على أن يتم تزويج من نرضى خلقه ودينه، ولكنه يرد علي بأنّ العرق دساس، ويجب أن يتخير لبناتي الزوج الذي يستطيع تقديمه أمام قبيلته»، مؤكّدة أنّه يتقدم لبناتها الكثير من أبناء القبائل الأخرى، ولكن قصور نظرة زوجها جعلت بناتها مهددات بالعنوسة، خاصةً وأن أكبرهن تجاوزت الثلاثين عاماً. الغرور ناتج عن تعصب للذات ومحاولة إسكات الآخرين تكسير وطلاق وتطلقت «أم مبارك البكر» من زوجها «سعيد» الذي يعدّ الثالث في حياتها بعد أقل من سنتين؛ بسبب تعصبهما الرياضي الذي كانا ينتهيان إليه بعد كل مباراة أو نقاش، حيث قد يصل إلى كارثة نتائجها تكسير الأواني والكثير من الشتائم، مضيفةً: «لن أزوج بناتي من أي رجل لا يتفق مع فريقهم الذي يشجعونه، فأنا صاحبة تجربة ورأيت النتائج بنفسي»، مؤكّدة أنّها تفتخر بعصبيتها لفريقها الذي هو بالنسبة إليها دم يجري في عروقها، رافضةً أن يكون ما تفعله خطأ يجب الالتفات له. زوج متشدد فيما عانت «فاطمة جراح» من التعصب الديني الذي استوطن حياتها بمجرد ارتباطها بزوج متشدد، موضحةً أنّها كانت حريصة على أن تتزوج رجلاً ملتزماً، ولكن لم تطمح في يوم أن تكون تحت عصمة رجل متزمت دينياً، لا يقبل التفكير حتى في الأمور التي تخضع تحت القياس، ولا يقبل الاختلاف في أي مسألة علمية، مضيفةً: «كنت متربية في بيئة وسطية تخاف الله، وتؤمن بأنّ اختلاف العلماء رحمة، ولكن ما حصل هو أنّ حياتي تحولت إلى حلبة مصارعة مع زوجي في جميع الأمور، كالعدسات اللاصقة مثلاً، فأنا لا ألبسها إلاّ زينة له، أو في المناسبات النسائية الخاصة، وهو في كل مرة يراها يحرقها أمامي، بزعم أنّه ينهى عن منكر، وطبيعتي لا أستطيع الصمت حيال هذا التسلط، فينتهي الأمر غالباً إلى خصام يمتد لأسابيع أحياناً». فيروس مجتمعي ورأى «محمد الزنيدي» -أخصائي اجتماعي- أنّه يمكن أن لا نعتبر التعصب ظاهرة في المجتمع، بقدر ما هو فيروس يصيب أحد أفراد الأسرة، حيث ينحاز أحدهم إلى فكر أو رأي غير منطقي أو مبالغ فيه، معتبراً أنّ التعصب بشتى أنواعه من الأمور الشاذة، والتي تنبئ عن حدوث تفكك في شريحة المجتمع، وتزايد الصراعات في حال تفشيه، كما أنّه توجه نفسي لدى الفرد يجعله يدرك فرداً معيناً أو جماعة معينة أو حتى موضوعاً معيناًإأما بشكل إيجابي عاشق لهذا الإدراك، أو سلبي كاره له قد يصل إلى حد الحقد، دون أن يكون لذلك ما يبرره من المنطق أو الشواهد التي يمكن تلمسها على أرض الواقع. نبذ التعصب يكون بالتنازل والقناعة وصناعة المواقف الإيجابية وقال إنّ عدم المراقبة الصحيحة في التنشئة الاجتماعية من مسببات التعصب، حتى الآباء فهم نتاج تنشئة سابقة جيّروا ذلك التعصب لأبنائهم، إلى جانب المدرسة التي تعد أحد الأسباب المهمة إن لم تكن هناك رقابة صحيحة ودقيقة، لافتاً إلى أنّ المراقبة لا تعني المراقبة البصرية فقط، إنما المراقبة الفكرية، وأي انحراف يصيب الفرد خلال مراحل تنشئته وانخراطه بالمجتمع، منوهاً بأنّ الأميين وأنصاف المتعلمين هم أكثر الأشخاص عُرضه للتعصب وحمل أفكار شاذة غير مقننة. وأضاف أنّ العلاج يبدأ من الأسرة، فالكل يعلم أنّه عند رغبتنا لتقبل أي رأي علينا وضع كل فكر في ميزان، والبدء بالمقارنة من حيث السلبية والإيجابية، كذلك النظرة الحالية والمستقبلية وأخذ العبرة من تاريخ الفكر أو الرأي بعد ذلك يمكن للفرد تبنيه أو رفضه، وبذلك يصبح ذا فكر ورأي مستقل قادر على الحوار وطرح الرأي بشكل منطقي، مطالباً الآباء بانتزاع التعصب من قِبلهم وزرع روح الحوار عند أبنائهم، وكيفية تقبل الرأي الآخر واحترامه، كذلك متابعة جميع تقلبات الأبناء خلال مراحل تنشئتهم، وتصحيح المسار منذ شعور الآباء أنّ هناك احتمالية لانحراف أحد الأبناء فكرياً، إلى جانب مواصلة المعلم الطريق، وزرع روح الحوار والنقاشات الدائمة، وطرح العديد من الأفكار المختلفة والمتنوعة، فالطفل أو النشء ومع مرور الوقت يصبح محكماً للعقل، ومُفلتراً لكل فكر أو رأي جديد قبل تبنيه أو رفضه بالطريق الإيجابي المتعقل، مشدداً على أنّ وسائل الإعلام وأئمة المساجد يقع على عاتقهم مسؤولية كبرى لنبذ التعصب بشتى أنواعه وإظهار سلبياته. انعزال الطفل عن زملائه في المدرسة قد يكون بسبب التعصب وأشار إلى أنّ أوجه التعصب أو التطرف تتوقف أساساً على الفرد نفسه ومدى تقبله لهذه الظاهرة أو المفهوم، إلى أن يصل مرحلة قبول الخطأ على أنّه صحيح من دون وعي، نازعاً عقال العقل نحو الانحدار الفكري المنبوذ مجتمعياً، على اعتبار أنّ التعصب ظاهرة نفسية يكتسبها الفرد خلال مراحل تنشئته؛ لذا أمر علاجه ليس صعباً طالما تمت تجزئة تلك الأفكار أو الآراء التي يحملها، من ثم زرع روح الحوار، من خلال المحاولة مرة تلو الأخرى، ومناقشته تلك الآراء أو الأفكار التي يحملها بشكل مجزأ، فالمسألة زمنيه أكثر من أن تكون مستحيلة. علاج التعصب ب«التسامح والحوار».. يتهيأ للمتعصبين -أفراداً أم جماعات- أنّهم الذين يمتلكون الحقيقة والرأي الصحيح فقط، وما عداهم ليسوا على صواب، فهم لا يؤمنون بالحوار كفكر وسلوك، ويسعون قدر الإمكان إلى تجنبه؛ لأنّهم لا يمتلكون قوة البرهان، ولذلك تجدهم أحياناً يمارسون الاستبداد، وقد يلجؤون للعنف، ومن يحلل فكر وسلوك هؤلاء المتعصبين يجد أنّ هناك انحرافاً في عقلانيتهم، فهم يطلقون أحكاماً متعجلة، بشكل غير مبني على معلومات موثوقة، وأحياناً تكون على شكل شائعات يمررونها، ويتداولونها فيما بينهم. حقد المتعصب تظهر في تعامله مع الآخرين ولا شك أنّ تفشي التعصب خطر على المجتمعات، فهو يهدد وحدتها الوطنية؛ مما تطلب تكاتف مختلف مؤسسات المجتمع المدني في العالم لمحاربته بشتى الطرق، وسعيهم لأن يكون المواطن واعياً تجاه ذلك، فالتعصب سواءً كان قبلياً أو عرقياً أو رياضياً أو غيره يقطع النسيج الاجتماعي ويوسع دائرة الخلاف، ومن مسببات هدم الفرص المتاحة أمام الوطن والمواطن، ويعدّ من أهم العقبات التي تلعب دوراً كبيراً في شل عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويمكن علاج التعصب من خلال الفهم السليم والتعايش السلمي، وتقبل الحوار، والاعتراف بالخطأ وتقبل النقد من الآخرين، ومقاومة الفتن والإعلام المضلل، والتعاون مع الآخرين والإفادة مما عندهم من معارف وخبرات، إضافة إلى ضرورة تقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة، ونشر ثقافة التسامح والتعاون، وثقافة التفكير الناقد المبني على الموضوعية والأدلة والشواهد. خيانة الأكل الوطني..! دخلت آمال بعد حفلة زواجها الأسطورية لمنزلها الزوجي لتجد على طاولة الطعام "صحن كبسة" و"سلطة خضراء بالبصل والجرجير" و"قارورة شطة" و"كأسي لبن"، و"شمعة" مغروسة وسط اللحم؛ لإضفاء أجواء رومانسية على أول ليلة لهما، والواضح أنّ ذلك كله طبخا منزليا، "تعوذت من إبليس" وأكلت مع زوجها، مؤملةً نفسها أن يكون زوجها قد كسر الروتين معها بأول ليلة ليعشيها "بصل" و"شطة".. مرّ أول يوم بسلام، وجاء اليوم الثاني وذهب بها زوجها لأحد المطاعم الشعبية، وفي الثالث أحضرت "حمولتها" حافظتي "جريش" و"قرصان".. بعد اسبوعين اشتاقت للأكل الإيطالي، فقررت كسر حاجز الخجل، وطلبت من زوجها أن يذهبا إلى مطعمها المفضل، فانفجرت القنبلة: الزوج: وشهوو تبين ناكل غير الأكل السعودي؟ آمال: وإيش المشكلة؟ الزوج: صاحية إنتي؟ أنا رجال أحب بلدي ووطني بالدرجة الأولى ولا يمكن أخونه وأفضل عليه بلد؟ آمال: يا ساتر وش خيانته؟.. تراه أكل!! الزوج: ولو.. إنسي الموضوع ولا يمكن أغير مبادئي عشان حرمه آمال: والإنجليزي اللي تحكي فيه أنت موب غير لهجتك؟ الزوج: ولو هذا غير.. لا تنسين إن حنا نتعلم لغة الكفار عشان نأمن شرهم! ومضت السنوات على آمال ولم تستطع أن تتخلص من تعصب زوجها الغريب الذي لا تعرف تحت أي مسمى يمكن أن تدرجه، فهي توقعت أن رأيه في دائرة المزاح، لكن كشفت لها الأيام مدى جديته التي استمدها من والده وأسرته؛ مما جعل حياتها بين (مد) رغبتها في تناول الأطباق التي تحبها من المطعم الإيطالي، و(جزر) لمزاته وتشنجه من عدم ولائها لوطنها -كما يدعي!-، فقررت أن تحتال بأن تطبخ له بعض الأصناف الغربية والشرقية وإلحاق اسمها بالاسم السعودي، لتستطيع أن تطبخ ما تشاء شريطة إضفاء كلمة "سعودي"، ففي أحد الأيام فاجأته ب"لازانيا سعودية"، وأخبرت أنّها عبارة عن عجينة ولحم، ليقتنع ويأكلها ويدمن على الطبق الإيطالي السعودي -كما يعتقد-. دستور محاربة التعصب..! يُعرّف التعصب بأنّه عدم قبول الحق عند ظهور الدليل، بناءً على ميل إلى جانب، وهو ظاهرة قديمة حديثة ترتبط بها العديد من المفاهيم، كالتمييز العنصري، والديني، والطائفي، والجنسي، والطبقي، وكانت سبباً للحروب والصراعات التاريخية، إلاّ أنّها ما زالت تتجدد باستمرار في عصرنا الحالي وتشكل آفة تدمر الشعوب. وقد صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني عام 1981م إعلان خاص بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقدات، وتعني أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس الدين أو المعتقد، ويكون غرضه أو أثره تعطيل أو إنقاص الاعتراف بحقوق الإنسان، والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على أساس من المساواة، كما أنّ للتعصب أشكال استجدت على العالم، كالتعصب السياسي، والاجتماعي، والرياضي، والقبلي، وهناك عدد من البلدان في جميع أنحاء العالم تتضمن أحكاماً داخل دساتيرها صراحة تمنع الدولة من ممارسة بعض أعمال التعصب داخل حدودها، ومن ذلك التعديل الأول لدستور الولاياتالمتحدة، والمادة الرابعة من القانون الأساسي لألمانيا، والمادة (44.2.1) من دستور جمهورية أيرلندا، والمادة الأربعون من الدستور الإستوني، والمادة (24) من دستور تركيا، وهنالك الكثير من الدول الأخرى سنّت أحكاماً تحظر التمييز والتعصب.