رغم تطور نمط الحياة وتزايد تسارع عجلة الحضارة .. مازالت بعض الفئات من المجتمع السعودي تعيش عصبية اجتماعية من أنواع مختلفة وبأساليب متنوعة، فهناك من يعيش في عصبية « منتنة « تقطع أواصر الترابط الاجتماعي وتفكك المجتمع إلى فئات وطبقات .. فيما تتدخل هذه العصبية بصفة رئيسة في العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وهناك آخرون يمنعهم حاجز المستوى العملي أو المادي أو الاجتماعي من التواصل مع باقي فئات المجتمع، وهناك من يقيم علاقاته مع الآخرين على أساس إمكاناتهم المادية، .. وفي هذه الحلقة من ملف الترابط الاجتماعي نقرأ بعض القصص والحكايات الواقعية التي أحدثت شرخا كبيرا في وحدة مجتمعنا السعودي، الأمر الذي نتوقع أن يكون وباله أعظم على الأجيال القادمة .. فإلى مجمل التفاصيل : سارة سعد 24 عاماً إحدى ضحايا العصبية في مجتمعنا، تحدثت سارة بمرارة عن تجربتها مع العصبية فقالت :» إخوتي من المتشددين والمتعصبين، ولا يقبلون تزويج أي من أخواتهم ممن يقل عنهم نسباً، وعندما خشيت أن أنضم إلى قائمة العوانس رغماً عني، فضلت أن أتزوج من دون موافقتهم .. وهذا ما زاد من معاناتي، وسبب لي الكثير من المشاكل سواء معهم أو مع باقي أفراد أسرتي»، وتضيف سارة :» بدأت القصة عندما وافقت على الاقتران برجل ليس من حسبنا ونسبنا، فيما قرر إخوتي الرفض شكلا ومضمونا دون أن يعرفوا شيئا عن دينه أو أخلاقة، هذا بالإضافة إلى أنهم لم يأخذوا رأيي في الزواج منه في أضعف الإيمان، وذلك لأني في نظرهم كوني امرأة لا يحق لي تقرير مستقبلي، ووالدي متزوج بامرأة من دولة عربية، وجميع إخوتي متزوجون وقد اختاروا زوجاتهم بأنفسهم ولم يقف أحد في وجههم، بل لم تنظر حينها أسرتي إلى مرجع الفتاة وحسبها، لكن عند زواجي ظهرت العنصرية« تلاشى الحلم منى عبدالله 33 عاماً كشفت أن والدها من الرافضين لزواجها والسبب أنه لا يزوج من يقل نسبه عن نسب أجدادها وجماعتها، مشيرة إلى أنها فقدت الأمل بالزواج، وقد تلاشى حلمها بالأمومة، وسردت منى قصتها في ذلك فقالت :» في السابق كنت أتضايق وأحاول الدفاع عن حقي بالزواج، وسعيت كثيراً عن طريق تدخل أشخاص من خارج العائلة، لينصحوا والدي بعدم التشدد، إلا أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل، مما انعكس على حالتي باليأس، وجعلني حالياً أستبعد فكرة الزواج بتاتاً « فساد عظيم عبدالرحمن الفرج 38 عاماً يقول في سياق موضوعنا :» هناك بعض الصفات التي مازال يعتقد بها بعض أولياء الأمور، وهذه أشبهها بالموروث الجاهلي، خاصة فيما يتعلق بالزواج، فنحن ينبغي لنا أن نتأسى بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي يعتبر أشرف الخلق نسباً وخلقاً وديناً، عندما قال :» إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، ألا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عظيم»، وتساءل الفرج :» فهل استشعر هؤلاء الآباء الظلمة الذي سيقع على بناتهم عندما يتعسفون في عضلهن؟، وهذا التصرف له معنى واحد .. وهو الفتنة والفساد العظيم الذي قد يحدث نتيجة القبلية المتعصبة التي ما زالت هي السائدة فيما بيننا «، وأضاف الفرج :» تتجلى مظاهر التعصب كثيراً في أوساط المراهقين أكثر من غيرهم، وفي أوساط الأقل تعليماً أكثر من المتعلمين، وفي القرية أكثر من المدينة، ولدى العوام أكثر من الخاصة، فهي قد تكون هنا وهناك ولكن بنسب متفاوتة، وحالياً نحن نلاحظ بعض العبارات والأرقام التي يكتبها هؤلاء المراهقون والتي في اعتقادهم بأنها تعبر عن تميز كل قبيلة عن الأخرى « جاري متعصب يسكن فهد عبدالله 43 عاماً بجوار أحد الأشخاص الذي يفتخر كثيراً بعصبيته، وقد حدثت قطيعة بينه وبين جاره كان سببها الرئيس هو النعرة العصبية، وحول قصته مع التعصب تحدث فهد فقال :» يجب أن ننسى هذه النعرات المثيرة للفتن بين الناس مهما وصل بنا الحال، فنحن مجتمع تجمعنا عقيدة واحدة ووطن واحد، وينبغي لنا أن نتعايش متحابين ومتعاضدين ومتعاونين على البر والتقوى فيما بيننا، وليس على أن عصبية هي التي سوف ترفع من قيمة وشأن الشخص، قد يكون ذلك صحيحاً لدى البعض من الناس ولكن يجب أن يكون باحترام وتقدير للطرف الآخر وليس بتحقيره»، ويذكر فهد في سياق حديثه أنه كان في أحد الأيام واقفاً أمام باب منزله، وإذا به يسمع جاره يقول عنه بأنه شخص متخلف ولا يتشرف بصلة جواره، كما سمعه يحذر أبناءه من التواصل مع أبنائي، والسبب ليس لأني لا أنتمي لقبيلته فقط .. بل حتى لأني لا أنتمي لمنطقته التي يعيش فيها هو وذووه . بذرة التعصب « التعصب يأخذ أشكالا كثيرة، وهو مرض يتجذر ويمتد إلى كل نقطة في حياتنا، فحتى بين أبناء القبيلة الواحدة تجده حاضراً ناهيك عما سوى ذلك»، بهذه العبارات بدأ محمد العلي حديثه وأضاف :» كلٌ يرى أنه أعلى شأناً وأفضل مرتبة، وفي البيت يتربى أبناؤنا على التمييز بين الأجناس، سواء ما يعرض على الفضائيات والمسلسلات من التقليل من دور وفهم وإدراك بعض الأجناس، أو ما يجده من أبيه أو أمه من رفع شأن من ينتمون إليه، ومصطلح نحن وهم التي هي بداية وبذرة التعصب في كل شيء ». د. الحماد : تختلف حدة العصبية باختلاف ظروف المنطقة والطبائع والعادات حول محور قضيتنا تحدث د . سامر الحماد أكاديمي واستشاري في مجال الإدارة والتسويق وتطوير الأعمال، وعضو في العديد من لجان التنمية الاجتماعية والأسرية .. يقول د.سامر :" لا يمكن القضاء على العصبية الموجودة في مجتمعنا مهما حاولنا معالجة أسبابها، واستشهد لذلك ببعض الأحاديث النبوية الشريفة والتي جاءت عن العصبية فيما بين العرب بأنها قائمة لن تزول حتى قيام الساعة"، وأضاف د. الحماد :" قد تختلف حدة العصبية فيما بين الناس من منطقة لأخرى باختلاف الطبائع والعادات السائدة فيما بينهم، فمثلاً نجد سكان أهالي المنطقة الشرقية والتي تشتهر بأنها منطقة صناعية وعملية قد ذوبت جزءا من العصبية من خلال تقلد العديد من الأشخاص الذين لا ينتمون لقبائل معروفة مناصب إدارية عالية، وهذه خففت من الآثار السلبية التي تولدها العصبية بعد أن أصبحوا مختلطين مع العديد من مختلف القبائل التي يعملون معهم داخل هذه الشركات، كما أن هناك بعض المناطق في المملكة لا يوجد فيها ترابط اجتماعي لوجود العصبية بين الناس، خاصة في مسألة الأنساب بسبب عدم تكافؤ النسب، والذي أدى إلى زيادة عدد العوانس بين الفتيات، وللقضاء على مثل هذه السلوكيات ينبغي أن يكون هناك وعي من خلال رفع مستوى التعليم بين الناس وتحويل المجتمع إلى مجتمع متعلم وعملي، واستشهد لذلك بالمجتمعات الأجنبية والتي كانت في الماضي أي قبل 50 عاماً حين كانوا يرفضون التعامل مع الأشخاص ذوي البشرة السوداء، ولكن بعد أن تم تحويل مجتمعاتهم إلى مجتمعات صناعية / عملية تمكنوا من إذابة كل العادات السائدة فيما بين الناس من مختلف الفئات البشرية". هذه الرموز تجتاح المراهقين