دماج.. الدمار، الضحية، الظلم، الحصار، القهر، التجاهل، الصمت، الفقر، الدماء، والموت البطيء.. تحتضن كل ذلك بصبر في بقعة جغرافية صغيرة أشبه بممر السيول، تحمل بين ثناياها تلميذاً وقلماً وكتاباً ومصحفاً .. ترفض الغلو والتطرف والإرهاب والحزبية والخروج عن ولي الأمر .. صامدة أمام جولات عدة من الحروب والحصار المستمر والقصف العنيف بكل أصناف الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من قبل جماعة ليس لها من قرارها إلا الموت بلا إرادة واضحة.. سوى الجهل والتطرف الأعمى. أكدت قيادات ميدانية في منطقة دماج ل «عكاظ»، أن جماعة الحوثي تشن هجمات متكررة على دماج، معتبرة ما يجري مخططا مدروسا، لن تتوقف مراحله إلا بإبادة أبناء دماج الذين لا سلاح لهم إلا الكتاب والعصى. وقال القيادي الميداني في دماج أبو أسحاق الوادعي، إن الهدف أكبر من دماج وأكبر من اليمن وهو نفس التوجه الحاصل في العراق الذي يحمل في ظاهره دعوات وشعارات رنانة وفي خفاياه بداية لتأسيس نواة إيرانية في اليمن، مضيفا أن هذا لن يتوقف على أبوب صنعاء فحسب بل سيهدد المنطقة بكاملها. وأكد أن أبناء دماج طلاب علم ومن أكبر المراكز تعليما يشدد على الوسطية والاعتدال ويرفض الإرهاب، كما أن ما يوجد في دماج لا يثير القلق للمجتمع الدولي ولا للدولة اليمنية وليس الحوثي هو الدولة حتى يقوم بشن حروب إبادة متكررة على أبناء المنطقة وقبائلها. لا قاعدة ولا غزاة والملفت أنه ليس هناك ما يثير القلق في دماج، لا تنظيم قاعدة ولا غزاة ولا إجرام، وأنه ما هو موجود ومحصور بين جبلي البراقة الذي يحيط بالمنطقة هو مركز دار الحديث السلفي الذي يحظى باهتمام وشهرة عالمية نظراً لتوجهه المعتدل والوسطي، غير أنه في منظور الحركة الحوثية يتعارض معها فكرياً، ويشكل خطراً حاجزاً أمام الأهداف الخارجية التي أوكلت إليها مهمة تنفيذها. ومركز دار الحديث في دماج أسس عام 1400ه على يد الشيخ مقبل بن هادي قايدة آل راشد الوادعي، أبرز دعاة السلفية وأول المحذرين من خطر الأخونة والحزبية، وتتلخص أهدافه في تعليم العلوم الشرعية وفقه السنة الوسطية. وحسب الوادعي، أصبح مركز دار الحديث وجهة طلاب العلم من جميع أنحاء العالم كونه يهتم بعلوم القرآن والسنة، وكان عبارة عن مسجد صغير لكنه مر بمراحل عدة، وكان يقصده فقط في البداية طلاب من كل مناطق اليمن ثم العرب ليتطور ويتوسع ويتم بناء عدد من المساجد على مراحل متعددة وفقاً للحاجة ليصبح مركزاً عالمياً. وأضاف أن الدروس مفتوحة في المركز على مدى 24 ساعة وتبدأ بالكتابة وحتى التاريخ وهناك دراسات في الرياضيات والعلوم واللغة، وهذا البرنامج هو من جعل الكثير من الطلاب من أنحاء العالم يأتون إليه مع أنه لا يمنح شهادة عليا. واشتهرت دماج بمركزها وكانت وجهة طلاب من أفريقيا وأوروبا وأمريكا، وأبرز طلابه من إندونيسيا، وأستراليا، وليس هناك شيء في دماج يثير القلق ويهدد الأمن والسلم الاجتماعي، فالمركز يجرم الإرهاب ويرفضه وله بيانات وإصدارات عدة، كما يجرم الخروج على ولي الأمر المسلم، ويحث على التعايش والتسامح. مناهضو الأخونة «عكاظ» تحدثت إلى عدد من قبائل وأبناء دماج للوقوف على أسباب وحيثيات الصراع بين جماعة الحوثي وقبائل دماج، والذين أجمعوا على أن ما يدور في دماج قضايا كثيرة بعضها ذات أبعاد دولية وأخرى سياسية وحزبية يمنية، وعقائدية، محذرين من مغبة الصراع وانعكاساته على المجتمع اليمني بكامله والمنطقة. كل الشواهد التي رأيناها خلال رحلتنا في صعدة ولقاءاتنا، تؤكد أنه لا شيء يثير الخوف من دماج بعكس جبال مران التي تعد وكرا ومركز تواصل مع دول خارج المحيط وتنفذ أجندة وإرادة تلك القوى التي تسعى لتحويل بلادنا إلى بؤرة صراعات دموية صانعة مبررات وأعذارا. وأوضح أحد أقارب الشيخ أبو أسحاق الوادعي، أن الشيخ مقبل الوادعي لم يكن عضواً في تنظيم القاعدة ولا حتى ينتمي للحركة الإخوانية بل إنه من العلماء القلائل الذين يتميزون بالنباهة والحدس والموسوعة العلمية في شتى المعارف الدينية، إلى جانب النظرة العميقة التي جعلته يتفوق على الكثير من أقرانه ليدرك خطورة الإخوان المسلمين في وقت مبكر من تسعينات القرن الماضي. وأضاف أنه كان يرفض الولاء الحزبي الذي يتقيدون به وكان يطمح ألا يكون الدين والعلم مرتبطا بالأحزاب وهو من أشد الرافضين لعمل الجمعيات وللدعوات التكفيرية، وأشار إلى أن الشيخ الوادعي توفي عام 2001م ليمنح الوصية لخلفه في إدارة المركز الشيخ يحيى بن علي الحجوري، الذي لا يزال حتى اليوم رئيس المركز في دماج. سياسي عقائدي قال أبو أسحاق، إن الصراع مع جماعة الحوثي سياسي عقائدي، إذ أنه يهدف إلى القضاء على المركز بأيد حوثية، بدعم ليس إيرانيا فقط بل إن هناك جهات دولية أجنبية متورطة، حيث يقدم لها الحوثي معلومات مغلوطة حول دور المركز وأنه يشجع الإرهاب، رغم أن فتاواه تدحض ذلك وتحرم الأعمال الإرهابية وترفضها، وأضاف أن الصراع يرتبط بتصفية حسابات بين أطراف سياسية إقليمية ودولية، مشيرا إلى أن المؤسس أول من حذر من خطورة الأخونة وكان من المحذرين من ثورة الربيع العربي. وأشار إلى أن دماج لا تخضع لسياسات الدول ولا الأحزاب بل للكتاب والسنة، معتبرا أن الهدف الرئيس للحوثي الذي يوظف كل علاقاته الدولية هو السيطرة على صعدة والمحافظات المجاورة كي تصبح مدنا مستقلة مرتبطة بالحوثي كنواة وبداية لمخطط كبير لدولة في شمال اليمن وجنوب الجزيرة العربية. وقال إنه جرى تضخيم حجم الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني ومنحهم مقاعد أكبر منهم كحركة لهم تاريخ أسود سواء مع الحكومة أو مع مشايخ القبائل في صعدة الذين هجروهم إلى صنعاء، متهماً محافظ صعدة فارس مناع المعين من قبل الحوثي برفع تقارير خاطئة للرئاسة اليمنية والتغطية على جرائم الحوثي. وحمل الجيش اليمني والدولة بكل مؤسساتها المسؤولية، وأفاد أن الصليب الأحمر منع من الدخول إلى دماج لمرات عدة بعد إخراجه لعدد من الجرحى ومجلس النواب ومؤتمر الحوار والدولة يتفرجون، حتى أصبحت صعدة خارج الدولة ولم يبق لها إلا شيم أهلنا في اليمن الذين نعول عليهم في نجدتنا. وأكد المتحدث باسم قبائل دماج الشيخ سرور الوادعي، أن المركز لا يدرس أفكاراً ضالة ولا يؤوي عناصر إرهابية، لافتا إلى أن طلاب العلم قدموا بموافقة حكوماتهم والحكومة اليمنية، مضيفا أنه تم تخريج آلاف الدعاة من المركز ينتشرون في اليمن وبلدان العالم، ومركزنا من المراكز القائمة على التحذير من الفتن، وتشير الإحصاءات إلى أن عدد طلابه أكثر من 5300 طالب. غياب الدولة واعتبر الشيخ صغير بن عزيز أحد مشايخ صعدة، أن الحوثي أتيحت له فرصة السيطرة على صعدة وحرف سفيان وبعض مناطق في الجوف وحجة نتيجة غياب الدولة، واستغلال الخلافات القبلية، وعندما أصبح شبه مسيطر على الوضع وجد أنه لا وجود لمن يعارضه في مشروعه إلا «دار الحديث» في دماج مع أنه نشأ في دماج منذ أكثر 38 عاماً ويقوم بتعليم الكتاب والسنة في منهج وسطي معتدل ليس له أي أهداف أو مطامع سياسية. وأكد أن الحوثي يسعى جاهدا لإلغاء هذا المعهد، إلا أن دماء طلاب العلم وسلاحهم الوحيد الكتاب سيكون القاصم لظهر الحوثي والمحطم لمشروعه الطائفي. وقال أمين عام المجلس المحلي في صعدة النازح محمد العماد «عايشنا أبناء دماج لأكثر 23 عاماً فلم يكن معهم إلا المصحف والكتاب»، وطالبا المجتمع الدولي والرئيس عبد ربه منصور هادي بالتدخل لإيقاف مخطط الإبادة الدولية وفك الحصار على دماج. فيما بدوره، أكد علي الرازحي أمام وخطيب جامع وسط مدينة صعدة أن مشايخ وطلاب ومركز دار الحديث في دماج لم يعرف عنهم السيطرة على أي جامع في صعدة خاصة واليمن عامة والتدريس فيه بالقوة. «دماج» إحدى مديريات صعدة، تقع في واد جنوب شرق مدينة صعدة، وتتبع إداريا لمديرية الصفراء وتعود شهرتها إلى وجود مركز دار الحديث الذي أسسه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي أحد كبار مشايخ السلفية باليمن، ومع أنه واد تسكنه قبيلة وادعة ويقع في الجنوب الشرقي من مركز المحافظة حيث يبعد عنها حوالي 7كم، ويمتد على مساحة طولها ما يقارب 25 كلم وعرضها لا يتعدى 2كم محاطاً بسلسلة جبلية من ثلاث جهات منها جبل البراقة الذي يشكل مربط الفرس كونه مطلا على الوادي بشكل مباشر. وتشير إحصائية التعداد السكاني لعام 2004م، إلى أن عدد سكان دماج يبلغ 15626 نسمة فيما يبلغ عدد المساكن 2419 مسكنا، في حين يبلغ عدد الوافدين من طلبة العلم الشرعي في العام الذي أجريت فيها الإحصائية 2004م نحو4027 أي ما يعادل 25% من السكان المحليين، أما عدد مساكن الطلبة فهي 1058 أي ما يعادل 43% من نسبة المساكن نظراً لارتفاع عدد مساكن طلاب العلم، والسبب يعود إلى أن مساكن أبناء المنطقة واسعة وكبيرة ولأكثر من ثلاث أسر، بينما بيوت طلبة العلم صغيرة ضيقة لا تتسع بالكثير لأسرة واحدة.