ذكر الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- أنّ الأصل في الأضحية عن الحي وأهل بيته الأحياء، وأما عن الأموات ثلاثة أقسام: أن يضحي عنهم تبعاً للأحياء، مثل أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته وينوي بهم الأحياء والأموات، (وهذا جائز)، أو أن يضحي عن الأموات بمقتضى وصاياهم تنفيذاً لها (وهذا واجب إلاّ إن عجز عن ذلك)، أو أن يضحي عن الأموات تبرعاً مستقلين عن الأحياء بأن يذبح لأبيه أضحية مستقلة أو لأمه أضحية مستقلة (فهذه جائزة، وقد نص فقهاء الحنابلة على أن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به قياساً على الصدقة عنه)، مستدركاً: «لكن لا نرى أن تخصيص الميت بالأضحية من السنة؛ لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلّم- لم يضح عن أحد من أمواته بخصوصه، ولم يرد عن أصحابه في عهده أنّ أحداً منهم ضحى عن أحد من أمواته، موضحاً أنّ من الخطأ ما يفعله بعض من الناس حيث يضحون عن أمواتهم تبرعاً أو بمقتضى وصاياهم، ولا يضحون عن أنفسهم وأهليهم، ولو علموا أنّ الرجل إذا ضحى من ماله عن نفسه وأهله شمل أهله الأحياء والأموات لما عدلوا عنه إلى عملهم ذلك. وصايا الأقارب وبيّن «عبدالرحمن الشريمي» أنّ الأضحية شعيرة دينية في المقام الأول، وليس من مجال للشك في أنّها امتثال لأمر الله، ويرجو ما عنده من أجر ومثوبة، وأن كل مسلم إنما يتمنى أن يضحي عن نفسه وأهل بيته، فالأضحية للحي -كما نصت عليه الآيات والأحاديث- وهي عن الميت صدقة عنه وعن والديه، موضحاً أنّه ليس في ذلك مجال للتفاخر، وكلٌ مطالب بأن يضحي بحسب ظروفه المادية، معتبراً أنّ ما زاد من أوجه الأضاحي أصحاب الأوقاف والوصايا وحميمية الموضوع بالنسبة لكثير من الأفراد، كونها تتعلق بالوالدين؛ مما يجعلهم يبحثون عن أطيب الأضاحي وأغلاها، حباً وتقرباً لله، وبراً بمن وصاهم من الأقارب والوالدين. تكدس لحوم ورأى «سعد بن عبدالله» أنّ المسألة سواءً بعلم أو جهل أصبحت مؤشراً ودلالة على المكانة والقدرة المالية، حيث يتداول البعض فيما بينهم أنّ فلاناً ضحى بعدد كذا من الأغنام، وآخر بكذا، وهكذا، لتصبح في نهاية الأمر عملية حسابية لحجم المبلغ الذي تم إنفاقه على الأضحية، مضيفاً: «شئنا أم أبينا أصبح الأمر هكذا، حتى عاد البعض يرجع الأمر لأهله من أهل العلم والفتوى، حيث دأب العامة على المنوال نفسه عندما تعددت الأضحية داخل الأسرة الواحدة من الأبناء والبنات، فكل فرد يريد أن يضحي عن نفسه أملاً ورغبة في الأجر؛ مما أدى في النهاية إلى تكدس اللحوم دون حاجة فعلية لها». جهل بالسنة وتوقعت «أم عبدالله» أنّ ما يحدث قد لا يكون من باب التفاخر بقدر ما يكشف حجم الجهل بالسنة النبوية حول الأضحية، مؤكّدةً أنّه من المعروف شرعاً عدم إفراد الوالدين بالأضحية إلاّ في حالة الوصية، وتكون من مالهم الموقوف، وأنّه من السنة إشراك الأموات في الأضحية الواحدة عن كل بيت؛ لأنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- ضحى بشاة عن نفسه وأهل بيته وهي تسعة بيوت، وشاة عن أمة محمد، بينما يشيع حالياً وهو حال كثير من البيوت أنّ البيت الواحد يذبح فيه أكثر من ذبيحة، فتجد الأب يذبح، والأم تذبح، والبنت تذبح، والابن الذي يعيش في كنف أبيه يذبح، وهكذا تتجمع الذبائح في البيت الواحد بما يفوق حاجتهم، مبيّنةً أنّ كثيراً من العامة يعرفون عن أحكام الأضحية بما فيهم كبار السن لكثرة ما يتم تداوله من فتاوى وسماعه عبر وسائل الإعلام، وهو أمر جيد، إلاّ أنّ التغيرات الاجتماعية والاقتصادية ألقت بظلالها على حياة الناس من جيل الشباب والشابات، فلم يعد هناك اهتمام بالاطلاع أو المعرفة الدينية في مثل هذه الحالات. إشراك الجميع وذكرت «ميهاف يوسف» أنّ جدتها لأبيها كانت تضحي من مالها الخاص أضحيتين، واحدة عنها وعن أبنائها، والأخرى عن والديها، حتى إذا ما توفت أصبح ولدها -أبو ميهاف- يضحي أضحية واحدة يشرك فيها الجميع، وهذا ما يعتقد أنّه الصواب، إلاّ أنّ جدتها -كما تقول- كان لديها مال تنفقه بحسب ما ترغب من أوجه الصدقة أو الزكاة. فيما كشفت «أميرة عابد» أنّ العام الماضي تم ذبح (10) ذبائح لدى أقارب لها، وأكثر من نصفها ضحايا للوالدين لإحدى السيدات في العائلة من كبار السن، حيث أنّها كانت مصرة على أن تفرد لكل واحد من والديها ووالدي والديها أضحية، وسمتهم بأسمائهم، موضحةً أنّها تفعلها لمرة واحدة فقط؛ لذلك لا ترى فيها مخالفة للدين، لأنّه -من وجهة نظرها- لم يسبق لأحد أن ضحى لهم، وهم يستحقون، مشيرةً إلى أنّها تصر كل عام أن تضحى عن أموات لا يوجد من يتذكرهم بأضحية أو صدقة، وتفعل ذلك من باب الوفاء لمن يستحقونه، ولا يوجد من يقدر عليه. تكرار الإهداء وأوضح «ناصر بن سعد» أنّه يتجمع عند الذبح أكثر من (15) أضحية أغلبها عن الوالدين المتوفين، وعادةً وبسبب وجود مكان مهيأ للذبح تكثر عدد الأضاحي، مبيّناً أنّ المشكلة بالنسبة للجميع هي توزيعها لمن يستحقها، وغالباً يتم توزيع المهام في كل عام على الأشخاص المعنيين، بحيث يتولى كل واحد مهمة معينة -كلٌ بحسب ما يمكنه من عمل-، وبحكم كونها أضحية للوالدين يصر بعض الأبناء أو البنات على أن يحظى بنصيب جيد منها، على الرغم من عدم حاجته لها، مضيفاً: «لا يخفى على أحد ما أصبح عليه الحال من تقليد جرى عليه الأمر في توزيع الأضاحي، ولكثرة ما يتم تبادله من هدايا الأضاحي لم يعد يعرف الشخص هدية الحي من الميت، حيث يتكرر تبادل قطع لحم الأضاحي المهداة لعدم القدرة على الاحتفاظ بها، حتى لم يعد يعرف الشخص مقدار ما أخرج منها وما أبقى».