الكتابة عن "وجدة" التي وجدتها على خطوط طيران أسترالية محلية (كوانتس) ممتعة كمتعة هذا الاكتشاف والاستمتاع بعمل يرقى بالسينما السعودية المعدومة محلياً إلى العالمية التي أهلت هذا الفيلم للدخول في سباق القائمة الطويلة للأوسكار هذا العام 2013 الذي أخرجته وكتبت نصه المخرجة السعودية هيفاء المنصور وصورته كاملاً في السعودية. وقد كتب عن هذا الفيلم الكثير، الإيجابي والسلبي، وكنت قد أخذت في بعض الأحيان بالنقد السلبي حتى شاهدته مكتملاً على عدة رحلات طيران فبهرت بحبكة القصة، أداء الممثلات والممثلين، الطفلة وجدة (وعد محمد) ونظراتها التي كانت تكفي عن ساعات من العرض والحوار، الأم (ريم عبدالله) بتمثيلها العفوي للحياة اليومية مجسدة الحوار الذي يجري في أي بيت سعودي، الإيجاز المركز غير الممل، المديرة (عهد كامل) بأناقتها ولسانها المعسول الذي يقع في النفوس الصغيرة كالخناجر المسلولة، أتقنته دون أي تكلف. كذلك كانت كل المعلمات والصديقات والجارات في حواراتهن، بل والسائق الباكستاني كذلك، كان في منتهى الواقعية. الطفل عبدالله (عبدالرحمن الجهني) كان مبدعاً هو الآخر في صدق صحبته وبراءة صداقته. لا شك أن الفيلم يكثف قضية التمييز ضد المرأة في السعودية بجدارة ويجمعها في ساعة ونصف من خلال هذا العرض الدرامي المتميز والذي حُبك مع قصة الدراجة الحلم، الانطلاق، الحرية والاستقلال. دراجة تكون ملك الطفلة وتقودها بنفسها لتنتهي قصة الفيلم وقد تزوج الأب بأخرى. يقدم الفيلم أسرة وجدة كنموذج للأسر النووية الحديثة في المجتمع السعودي والتي تبدو وحيدة في ظل غياب الأب الأسبوعي الذي يفرضه عليه عمله في قطاع البترول كما يبدو فلا يعود إلا في نهاية الأسبوع، ما يرجح أن القصة تجري أحداثها في المنطقة الشرقية. تعكس القصة إسقاطات على المعاناة التي تعيشها المرأة السعودية وتحاصرها مذ هي طفلة معباًة بالأحلام. الجميل في هذه القصة هي أن الفتاة حققت حلمها، أو، هل بالفعل تمكنت من ذلك؟ إن حصول وجدة على حلمها لم تصل إليه بعملها وجهدها الذي بذلته بصناعة الأساور وبيعها ثم بحفظ القرآن والدراسة والجد والتنازل عن الكثير حتى يمكنها الحصول على جائزة المسابقة، لتجد أن الجائزة سحبت من تحت ناظريها، كسيف استل من طعنة غائرة، لتهبها المديرة لصالح فلسطين باسم وجدة دون أن تنتظر موافقتها، أمام ذهول الطفلة وانلجام لسانها عن تصديق ما تقوم به هذه المديرة. حصول وجدة على الدراجة نجح بشكل آخر، كان مفاجأة من أمها التي جمعت جمعية من العمل لغرض القيام بمحاولات طبية في عيادات الخصوبة، وقررت أن تشتري بها الدراجة لابنتها على الرغم من معرفتها بصعوبة أن تمارس وجدة هذه الهواية، لكنه كان تعويضا لفاقدها الذي بلغ مداه في قيام زوجها بالزواج بأخرى بحجة أنها لم تنجب إلا فتاة. استخدام فلسطين الدعائي لادعاء التقوى، كان قوياً في لحظة إعلان مصير جائزة وجدة التي كانت ترى بأم عينيها الغدر والسرقة والكذب والاحتيال باسم العمل الخيري. التكثيف الذي قدمته هيفاء المنصور في هذا الفيلم مر بسلاسة وعكس مدى تعقيد المجتمع وكم يحمل من تناقضات يومية دون أن يعي ذلك. على سبيل المثال محافظة الأم لدرجة استنكارها عمل صديقتها في مكان مختلط كموظفة استقبال، بينما تمارس هي التدخين، المنتقد اجتماعياً، والمحرم في بعض الأوساط، والذي يمكن أن ينال المرأة بسببه النبذ من المجتمع. المشاكل التي تجري في المدارس مثل الشذوذ الجنسي، أو العلاقات التي تقيمها الفتيات ويترتب عليها خروجهن خلسة من المدرسة، تجري في كل المؤسسات التعليمية، وإن اختلفت آلية التعاطي معها لكن في مجملها تقوم على الشدة، وفي هذه القصة كانت أكثر حدة، حيث تم التشهير بالفتاتان أمام الملأ في باحة المدرسة وهما تُطردان. لكنه أيضاً قدم صورة ممتعة لطفلة لم تقبل أن تكون كالأخريات، كان لديها هواية، كانت تمارس تجارة صغيرة بصنع أساور وبيعها لزميلاتها بمقابل، كانت تستمتع بالموسيقى التي تحرمها المدرسة، وكانت تستمتع باللهو مع صديقها عبدالله. إن العلاقة الجميلة البريئة التي كانت قائمة بين وجدة وجارها الصغير عبدالله تعيد الصورة إلى صورة المجتمع القديمة للحارة حيث للجيران دور كبير في تعزيز المفاهيم الاجتماعية القائمة على قيم الشهامة والمساندة والنخوة وحيث يلهو الأطفال ويكبرون سوياً وكثيراً ما يتزوجون فيما بينهم وقد عرفوا وخبروا أخلاق كل من الشاب أو الفتاة وأسرهم وخلفياتهم. وفي وجدة نجد الطفل الجار عبدالله يمارس هذا الدور وإن لم نجد أمه حاضرة، لكنه صديق لعب وجدة ورفيقها إلى نصف طريق المدرسة التي يصلانها مشياً، حتى حصل عبدالله على دراجة جديدة في بداية العام ما أطلق أحلام وجدة وإحساسها بالمنافسة لتسابقه وتسبقه، ترى هل تنجح في ذلك؟ هو سؤالنا المليوني.