وما الأوطان إلا أمهات حَقٌ على أبنائها برها، والرأفة بها، وحفظ كرامتها، وإبقاؤها رمزَ فخرٍ يحملونه في قلوبهم كلما راودتهم أنفسهم أن يعقُوا ولو بكلمة صغيرة ك "أفٍ منك". حين تودعك أرض وطنك في ساعة مبكرة من صباحِ يومٍ من أيامها فإنها تودعك بقلب يخفق لك وكأن لم يسكنها أحد سواك، كأنها من بعدك ستكون منسية لأنك قطعة ثمينة منها، تعيش فقدك وهي ترقُب السماء متى ستبشرها بعودتك ذات صباح لتكونَ شمسها، أو ذات مساء لتكونَ البدر وأضواء المصابيح، تُعانقك بأنفاس كلها أمل بأنك ستعوضها غيابك بازدهار وتطور وتقدم نحو الأفضل، ستحمل على كتفيك همّ أن تجعلها في مصاف الدول المتقدمة التي ما أن تُذكر إلا صار الهواء دهشة، وكل من يحمل روحاً، تصبح تسكنه أمنية واحدة فقط وهي أن يصبح قطعة منها. إنّك حين تخرج من أرضها مبتعثاً إلى ديار أخرى فثق تماما أنك ستترك ثقبا في قلبها حتى تعود، إنك ستترك مكاناً فارغاً لا يملؤه سواك، كقطعة اللغز التي تُوصل إلى الكنز،، ضع في عقلك فكرة أن "لا أم كوطني". جرد قلبك من كل موقف جعلها محط اتهام بالتقصير. فرّق بين رجل أساء لك في مؤسسة ما أو مُنح مكانة لخدمتك لكنه قصر تجاهك، إنه الوطن، أمك التي ترى حلمها الجميل في عقلك وكيانك. ترقب عودتك بعد سنوات من غربة، لتقبل جبينها وتبرها لا أن ترميها بالتهم وتؤذيها بسيئ الفكر، تنتظر ماذا ستفعل، لقد عُدْتَ فاستكمل دورك في البناء والنهضة والرفعة. كن أنت تلك الياء الثمينة آخر إجابتك حين تُسأل: "من أي وطن أنت؟". استشعر أنك أنت الوطن والوطن أنت لأنها الحقيقة وجزء مهم من عقيدة.