مهما حاولت إنكار ذلك أمام أصدقائك وعائلتك ومحيط عملك فأنت بالتأكيد قد زرت في يوم ما إحدى العيادات النفسية التي ترفع شعار "العطاء هو المبدأ الذي نسير عليه"، وما إن تدخل مع بوابتهم الضخمة والزجاجية حتى تكتشف بأنك وحدك من يعطي؛ لأن الفاتورة التي وضعتها في جيبك بعد أن قمت بفتح الملف بأحد الأسماء المستعارة التي اخترتها قد تصل إلى نصف راتبك الشهري والذي بذلت 30 يومًا من الاستيقاظ مبكرًا للحصول عليه؛ فالطبيب الأصلع صاحب العدسات الكبيرة والأنف المليء بالتجاعيد والطبقات الدهنية والرؤوس السوداء كتب إليك وصفةً سريعة دون أن ينظر إلى وجهك الحزين وطعم الخيبة الذي يمنعك من النوم في كل مرة، مرددًا في آخر المساء ما تقوله إحدى القصائد الشعبية: "حزين أدري ولو بغيت أضحك صرخ بي هالحزن: لا بدري!!!". لا تحاول أن تنكر فأنا أيضًا قد زرت طبيبًا نفسيًا في أحد الأعوام السالفة، كنتُ أعتقد وأنا مستعد للدخول إليه بأني سأتمدد على أريكته الجميلة، أريكته التي أنفق وقتًا طويًلا في اختيار لونها وطولها وحوافها الخشبية، كنت أعتقد ذلك - للأسف كنتُ أحمقًا- فحين رأيته شعرت بأني أمام محاكمة قضائية وليس في جلسة استرخائية، سألني بشكل سريع: - بتشتكي من إيه؟ قلت: -الحياة، الشر الذي غزا العالم، الناس الذين تحولوا إلى وحوش مبتسمة، وما الجديد في المستقبل فهو تمامًا كما يقول أميل سيوران: "قرد منهك كل ما حدث فيه سيحدث مرارًا وتكرارًا وإلى الأبد، لا جديد سنكتشفه على الإطلاق". نظر إليّ باستغراب: -إنتا بتؤوول إيه، أنا موش فاهم؟ حينها عرفت بأنه ليس مستوعبًا لأزمة الفكر البشري، ولم يقرأ كيف أن الإنسانية وكما تنبأ أغلب الفلاسفة في حالة انقراض مما يجعل أغلب المثقفين ومن يحملون ولو وعيًّا قليًلا في حالة من التشاؤم الدائم، وكيف لطبيب يمارس هذه المهنة التي تحتاج إلى الكثير من الموسوعية أن لا يقرأ كتابًا فكريًا واحدًا ولمن؟ لأهم مفكري العصر؛ إنه إذن مجرد جاهل صعلوك يحمل شهادة علمية، ليس وحده كذلك فالمرضي أيضًا مجرد أغبياء وفارغون ويقنعهم الورق والألقاب قبل أن يقنعهم منطق المتحدث نفسه واستيعابه الإدراكي لما تقوله أنت، فاللغة وكما يقول الفيلسوف هايدغر: " الوسيلة الوحيدة لكشف ذكريات الإنسان العميقة جدًا". لن أطيل عليك عزيزي القارئ -الذي وكما أعتقد- لا تعرف عن ماذا أتحدث حتى الآن لكن وبكل اختصار، عليك أن تشاهد هذا المسلسل الذي سيخبرك بأننا ننفق أموالنا على عيادات لا تستحق، وبأن أحزاننا هي وسيلتهم المربحة، فهذا المسلسل الذي قام بكتابته مجموعة من المتخصصين البريطانيين في مجال التحليل النفسي إن لم تخني الذاكرة كفيل بعلاجك، بإخبارك عن البنية الأساسية للمرض أو للفكرة التي تقتلك وتؤرقك، فعلى الأريكة المريحة يجلس الدكتور "بول أوستن" وتحديدًا أكثر في الغرفة الخارجية من منزله ذات المكتبة الكبيرة والنوافذ المفتوحة على الحياة، يجلس هناك مستمعًا إلى شكاوي مرضاه في مدّة زمنية لا تتجاوز 25 دقيقة مليئة بالمتعة التي تجعلك تقوم بحك فروة رأسك أو التدخين وشرب القهوة بحثًا عن تركيز أقوى، وكي لا أنسى عليك وأنت تشاهد أن تُركز على الأسئلة الموجهة للمرضى وشكاويهم التي يقولونها للطبيب صاحب الوجه الباعث للطمأنينة؛ فإنها ليست حكايات عادية، إنها مصدر مهم لاستنباط الكثير من المعاني المراوغة. لن تجد صعوبة في الحصول على هذا المسلسل كل ما عليك هو أن تكتب في محرك البحث" مسلسل الدراما النفسية In Treatment " بعد أن تقوم بتحميل برنامج التورنت وداعًا الآن.