تنازعوا حول لون السماء، في البداية تأثر بعضهم بمقالة بعض، حتى صار واحدهم يرفع رأسه إلى السماء ما إن يسرحه النوم وقبل أي عمل يقوم به، كمن يؤكد ظنونه بأنها ما زالت كما عهدها ولم تخنه أثناء نومه. *** شُيدت المدينة وسط الوادي الذي لم يضرها جفافه، فالمياه تصل إلى البيوت بالأنابيب، ينام أهلها حتى الظهر كما يليق بأهل نعمة، فصباحهم شمس متعامدة ولا ظلال، مغتسلين دائما بالعرق والضياء الذي يكسر أجفانهم الشفيفة، سماؤهم عنيفة البياض، لا تسمح لأحد أن يتحداها برفع عينيه إلا وصعقته شمسها بغضب، يتحرزون من غوائلها في صناديق إسمنتية تحتضنهم فيها أرائك يمددون على وثيرها أرجلهم، هم غالبا فرادى، يقتلون العطش بشراب أسود ويقرضون رقاقات ملأى بالدهن، يتعاطون أخبارا يعرفونها مسبقا، فقط أموالهم اعتادوا رميها جمعا في الغيب يبتلعها ثم يعمد إلى من لا يستحق منهم فيسلمها له وحده. *** جنوبالمدينة جبل تستظل وراءه قرية تتمدد كعذراء ممشوقة على مفاصله ونتوءاته، حتى السفح الأخضر تحت قدميه، أهلها كالطيور لا يعرفون السهر، ينامون مع الشمس ويصحون مع صياح الديكة، لا تخبرهم البلابل ما لا يعرفون هل سيمسك الغيم أم يجود، يودعون في الأرض أمنيات يوقنون أنها ستبذل جهدها لتحقيقها فيربتون عليها بامتنان. *** وشمال المدينة بدو لا يعرفون النهار، يرتجلون الرحيل في المساءات، يعوذون بمشاعل النار من الذئاب التي أفنت عمرها تهددهم بعوائها، يتشرنقون بثيابهم الفضفاضة ويرمقون بعيون تتلصص من خلف اللثم نجوما تطوعت للسير معهم. *** يدّعي أهل المدينة أن السماء بيضاء لاهبة ولها غضبة دائبة، كغضبة حطاب رفع فأسه مضطرا ليقطع شجرة كان غرسها بيده؟ سأل أهل القرية، ويقسم أهل القرية بأرواح أطفالهم أنها أرجوانية، ناعمة كثوب مخملي، كجناح طائر وأن الغيم قد يتناثر على وجناتها أحيانا "كوجنتي حسناء تضع أحمر الخدود تساءل أهل المدينة "؟ بينما زعم أهل البادية أنها سوداء كشعر امرأة دُهن بالزيت، وأنها صماء غائرة في البعيد، شحيحة كشح المياه في صحرائهم المترامية بلا منتهى. *** ولما اتسع اختلافهم في السماء جمعتهم أرض هُيئت للنزاع، جاءها أهل القرية وعلى أكتافهم الفؤوس والمعاول، ووضع كل فرد من أهل المدينة أصبعه على زناد بندقية أو مسدس، فيما حمل أهل البادية مشاعل النيران، ورغبة الإحراق تعتمل في صدورهم. *** لم تنتهِ المعركة ...