1 الرؤيا ثمّ أدلف بوابة الغيب، أحصي النساء اللواتي حبلْن بظلّي، وأرضعْنه من نشيد القرى. ها أنا أرجم البحر، والراغبات عن العشق - والأرض مشمشة - يا أبي قد رأيت الكتابة ساجدة تحت عرشك، والصحْب حولك، أبصارهم دونها رمحك الجاهلي. ليس وحدك من يعرف السرّ؛ قال الرفاق وهم يمرقون خفافاً، على ساحل الروح فانفجرَتْ غيمة في شوارع قلبي سلامٌ على الصحو، حين يفاجئه المطر المغتصبْ!! أتحسّس وجهي، وضاحية باركتْها المليحات.. أولى لكم شجراً واضحاً، ثم أوقدْنه حول عشب الرؤى، طُفْن حول قميص أبينا، وقلْن له: إنني ورده المصطفى، واسترحْن إلى ظلّ دالية في الجسدْ. صوتها واقف كنهارات صيف، وفي سقفها قمر من مسدْ. *** خرجوا صبْية من شعاب القصيدة، وانطلقوا للقرى، بعدما أفرغتْ ذكرياتَك، كلُّ طيور المدينة، وانفضّ سامرها الدموي. *** سقطتْ زهرة في يدي فارتعدْتُ، وهلّتْ دموع الصّبا فاستعذْتُ، لأنّي رأيت : على مهلٍ يصعد البحر للمشنقةْ. 2 أرتّب فوضى الشجيرات ...هنالك كان أبي يطعم الليل، والأرق المتكبّر، بعض رغيف السهرْ. في الظلام يقرّب نجمته من إناء الحنين، يعاشرها خلسة عندما تتلمّس لون الخراب على ضفّتيه. أنت علّمتْني أن أرتّب فوضى الشجيرات، كيف أدعو الربيع إلى الحضرة القرويّة، معتمراً بالجلال، بأغنية واحدة!! ليس لي أحدٌ يا أبي، فلمنْ سوف أفتح صدري، يقاسمني الشاي بعد الظهيرة، يوقظني للنداء المقدّس، والحلم مشتبكٌ في غصون النعاس!! ليس لي غير وجهك، من سَمَوات السكينة، في جُنح الليل، يشرق، والعالمين نيام، نيام! 3 الآخرون دونما سبب خبأتْني القرى عن بنيها، وما لمحتْ في قميص الحكايات من دمهم شارة، أو رأتْ في شفاه المزامير فأفأة من مياه أناشيدهم، ولكنّها أنكرتْني الشوارع يا أبتِ كم تحب الشوارع كنتَ؛ التي لا تخون هواجس من يعبرون عليها، وفي الفجر توقظها، وتُعِدُّ لها من ظلالك أجملهم. لم تعد للرياح مواسمها.. كانت الريح مختالة، وتجيئك وحدك دانية. علّقتك لياليك يا أبتِ فوق مشنقة الذكريات، تمرّ طيور المساءات، تلقط من خبز رأسك أحسنه، وتحطّ به بين مائدتي. كانت الساعة الآثمةْ.. حين دقّ الغزاة على الدار، وانتزعوا وردة من حدائق عينيه.. قبّلتُها، ثم سوّيتها وطناً في القصائد/ أهزوجة في شفاه البنات/ هلالاً على منكب الليل/ فأل سنبلة في الخريف/ وأوّل تلويحة بالطريق/ مناقير ألبسْتها صوت أسمائنا الحاسمةْ. قال لي: سوف أرجع في صحوكم، حين أضغاث أحلامكم، وأقصّ لكم ما تعسّر من شرر، كنت أنفثه من فمي، لقناديل ناعسة بالشبابيك، ما أعلنتْ لحظة: أنهم قادمون هنا/ أنهم قادمون هنا.. إنهم قادمون لنا!! 4 رجال يجوبون أعضاءنا ربما سوف تمطر.. طال انحباس الغيوم أمشّط ذاكرتي، كنت طفلاً، وكان يحدّثني عن رجال يجوبون أعضاءنا. في مكان خفيّ تنام الحياة، هناك تخيط لنا الإرث، فوق الشوارع تركض، تطلق أغنية للمدى. ليس في نيتي فعل شيء، أبي كان ينهرني أن أعدّ النجوم لأنّ غداً سوف تسقط نجمته من فضائي!! السماء ستمطر.. كنّا حفاة، وكان النشيد الحريريّ ينمو على عشب أجسادنا. ربما سوف تمطر هذا النهار، لكيلا نقيس اليباب بأصواتنا، ثمّ نمشي عراة.. ببطءٍ أسير، أرى خطوات الرفاق، هي الأرض ممكنة بالكلام، سيأخذني للدروب الفسيحة، للذكريات. اهدأ الآن، أنت إلى حكمة الغيب أقرب/ أقرب إن الرياح تهيئ أجنحة للمطرْ. 5 مساءلة أمرُّ أسائل الناس الذين على نواصيهم أرى شجراً، وأطفالاً لهم في الشمس إرث ليس يختلفون. أسأل في المدى قمراً، يعلّم عاشقيه الموت، حين ينام أهل الحيّ عن رجلٍ: يجيءُ إذا النعاس أدار مروده بعين الأهل، في كفّيه أسماء الأخلّاء، البهاء يلفّ قامته. صبيّاً كنت إذْ حملوه، والكافور يسبق خطوهم، كانت فصاحة سمْته القرويّ تربكهم، وتكشف غيم أوجههم، مشَتْ من بين أيديهم، تحطّ حروفها الحسنى على شفتي هتفْتُ بهم: - وسيف رجولتي الأولى يضيءُ بريقه جسدي - لمنْ يتحدّث الأطفال؟ تبزغ رعشة الأنهار؟ أشجار المسرّة هل ستزهر في صدور الناس؟ كيف يجيء فجره حاسراً من ذا يكلّله؟ أجبْ يا صمتهم، يا موتهم، أو يا... *** أعود أسائل الطرقات/ مدخل دارنا النيليّ/ بيوت الحيّ/ عن رجل ......... .......... رويداً كان يشرق ظلّه في البال ثمّ أقوله سرّاً. 6 الساعةَ يأتي البحر ليس لي إلا الميادين فضاء يا أبي، لم أتعلمّ منك سرّ الرفض، زرْع الريح في قمصاننا. لا يستحمّ الفجر إلا من خليج الصمت والجدران. يا بنت، قفي شاهدة، كي أجلد الأشجار، تغوي الظلّ في القيلولة. الساعة يأتي البجر من نزهته، يرجمه الأطفال بالحلوى، وبعض الغيم. يا بنت، قفي.. كي أقرأ التاريخ، مكتوباً بحرف أعجمي!!