على أنقاض جمهورية " مهاباد " التي ظهرت على حدود إيران الغربية كدولة كردية وترأسها آنذاك مصطفى البارزاني ، ولم تدم إلا عاماً واحداً حتى قضت عليها إيران، يلوح في الأفق تغير جيو- سياسي هو الأكثر أهمية في الشرق الأوسط، فإعلان مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان وهو بالمناسبة من مواليد " مهاباد " إجراء استفتاء لإعلان دولة كردية هو أكثر ما تخشاه إيران التي سعت خلال العقد الماضي لتطويع العراق والسيطرة عليه مستغلة الضعف العربي العام والتخبط الأميركي الذي كانت نتائجه وخيمة على الشرق الأوسط . نشوء دولة كردية يعيد للأكراد في المنطقة حلماً راود مخيلتهم، فالأكراد الذين استغلوا الضعف الإيراني في فترة الحرب العالمية الثانية إبان هروب رضا بهلوي وصعود نجله محمد رضا، وأعلنوا دولتهم، يعودون اليوم في ظرف مشابه لاقتناص الفرصة التاريخية وإعلان دولتهم التي ستحد إيران من الغرب لتشغل جزءاً من الحدود العراقية - الإيرانية الطويلة. الرفض الأميركي لإجراء الاستفتاء لا يمكن أخذه بجدية فواشنطن متحفزة بشكل جيد للتغيير في المنطقة، ولا يهمها إن ذهبت العراق أو سورية أو غيرها إلى التفتت، كما أن تركيا من جهتها لا تمانع في نشوء تلك الدولة، بل على العكس يمكن أن يستغل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان تلك الرغبة الكردية، ويساندها من أجل كسب تأييد أكراد تركيا في الاستحقاقات السياسية المقبلة، كما يقول المحلل السياسي جهاد صالح . أردوغان نفسه فتح قناة للتفاوض منذ فترة مع الزعيم الكردي عبدالله أوجلان المسجون في " إمرالي " في جزيرة مرمرة التركية، وبالرغم من أن نشوء دولة كردية من شأنه تعزيز النزعة الانفصالية لدى الأكراد في تركيا، إلا أن الدولة في أنقرة أشد وأكثر تماسكاً وتمرساً مع الأكراد ومتماهية في ذات الوقت مع مطالبهم بوصفهم مكوناً للشعب التركي، إذ تم إقرار تدريس لغتهم منذ حوالي العامين، إضافة إلى تمثيلهم في البرلمان والإعلام وانغماسهم في الحياة السياسية بشكل كبير. لكن طهران تقرأ هذا التغيير بشكل مختلف إذ يأتي لينسف المخطط الذي تمضي فيه من أجل تكوين كتلة جغرافية تشمل العراق وسورية تضمن به تواجداً لها على البحر المتوسط وتصبح أكثر اقتراباً من أوروبا التي لطالما اعتبرت نفسها عرقياً منتمية لهذه القارة. ترى إيران في الدولة الكردية تهديداً جدياً من عدة جهات : الأول أن نشوء هذه الدولة ربما يتبعه انسلاخ " مهاباد " التي تبعد عن أربيل ( 150 كيلو ) وتشكل رمزاً سياسياً للأكراد في منطقة إيرانية وهي محافظة " أذربيجان الغربية " المتاخمة لجمهورية أذربيجان التي لا تربطها مع ايران روابط ودّ. من جهة ثانية تخشى إيران قيام دولة كردية كون ذلك يعني قيام دولة تتبع المذهب السني وهذا من جهة يشكل تحدياً لجمهورية ينص دستورها على جعفرية الدولة، وهذا يعني تحديا آخر من شأنه إفشال مشروع الهلال الشيعي الذي تسعى طهران لتشكيله. من جهة أخرى فإن قيام دولة كردية لديها علاقات متميزة مع إسرائيل سيكون بمثابة خنجر في خاصرة إيران التي تدعو إلى محو إسرائيل من الخارطة .