عند تخرجي في كلية الملك فهد الأمنية تم تعييني بقطاع الجوازات وبعدما تهيأت للمباشرة تمت إفادتي أن مكاني قد عين به زميل آخر وبناء عليه نقلت الى قطاع ما يسمى أنذاك سلاح الحدود واكتنفني نوع من الاستغراب كيف هي الواسطة تفعل فعلها. المهم رضيت بما قدر لي وقلت لعل بالأمر خيرة الا انه قبل مغادرتي لمبنى الجوازات العمومي وددت الاستيضاح عن ما وقع لي ومررت مرور الكرام على المسؤول عن ذلك ووبخني بحجة أنني عسكري وما على العسكري الا الطاعة العمياء وعلمت فيما بعد أنه سامحه الله هو من يقف خلف نقلي وتجاهلت ذلك. وعلى الفور اتجهت لشارع الوزير لتفصيل بدلة تخص عملي الجديد وكان علي لزاماً أن أباشر مهامي الوظيفية الجديدة حتى ولو كنت أرتدي ملابس عملي القديم وفعلاً تشرفت بمقابلة القائد الوطني الفذ مدير عام سلاح الحدود أنذاك معالي الفريق محمد بن هلال المطيري أمده الله بالصحة والعافية الذي استغرب بل استنكر مما حدث. ليسألني سؤالاً إن دل على شيء فهو يدل على أستاذيته في علم الإدارة حيث قال هل أنت راغب في العمل بقطاعنا لأجاوبه على الفور لا يا معالي الفريق قال إذاً سأحاول أن أعيد حقك المسلوب بطرق ودية وفعلاً أعاد إلحاقي مرة أخرى بقطاع الجوازات مع بقائي على ملاك سلاح الحدود حيث استمررت على هذا الوضع لأكثر من خمس سنوات ومعالي الفريق عندما قام بهذا التصرف لم يقم به الا من ذاته لإحساسه أن العامل النفسي يعد من أولويات الأداء الوظيفي فجزاه الله عنا خير الجزاء وفعلاً باشرت هناك وعلى الفور ألحقت بزملائي في أعمال الحج بل دفع بي غيظاً لاستلام قيادة مركز التنعيم في العاصمة المقدسة وكنت في بادئ الأمر أظن أنني قد وصلت لمرحلة من الاكتفاء الذي به لا أحتاج لمساعدة الآخرين وقد يكون للرتبة العسكرية التي أطالعها بغرور بين الفينة والأخري دور لذلك ولكن "الميدان يا حميدان" كما يقال. المهم اكتشفت أنني مازلت تلميذاً بحاجة معلم وبالذات في العمل الميداني والمكتبي ولعلني أذكر هنا زميلي السائق الذي يكبرني سناً وخبرة كيف هي دروسه الوطنية التي حفرت بادئ ذي بدئ في ذاكرتي كل معنى سامٍ للعمل الحكومي المؤطر بعشق الوطن وأهمية المحافظة على أمنه بل كان أيضا لزميلي الآخر الرقيب نفس الأثر وبهؤلاء قدت مركز التنعيم إلى بر الأمان ان لم يكن حسب شهادة قادتنا في حينه أفضل المراكز. وهكذا دواليك بعد عودتنا الى العاصمة الرياض ومباشرتنا في جوازاتها كيف روضت نفسي المتعالية جهلاً من خلال الجلوس بين أساتذة جهابذة أسست على أيديهم فكري بكل أنواعه وبالذات الوطني منه وهنا سأذكر فقط بعض من انطلقت ذهنيا معهم ومن حيث اكتمل نموهم الفكري فهذا معالي الفريق أسعد الفريح وذاك الموظف عبدالله الجديعي رحمه الله وهذا الرقيب حسين القحطاني وذاك الموظف أبو عبدالله علي العمري وهذا الموظف محمد العصيمي وذاك الرقيب حسن النفيعي وهذا الذي للتو فقدناه عبدالكريم موسى الظافر رحمه الله والأخير هذا يعد مدونة فكرية وطنية وغيرهم الكثير من الزملاء الذين لا يتسع المجال لذكرهم حيث في رحابهم الفكري تلقيت أفضل الدروس الوطنية وأنفعها.. النتيجة: بيئة العمل الحكومي بصفة عامة إن لم تكن بيئة تربوية وتعليمية لفكر إنساني وديني ووطني واجتماعي نقي من الشوائب والأدران الذهنية التي تؤثر على سمو إنسانية الموظف ووسطية تدينه وقوة انتمائه لوطنه وولائه لقادته واندماجه بعمق مجتمعه فهي بيئة يشوبها خلل يحتاج الى تدخل للمعالجة هذا التدخل الذي لم ولن يكون الا بمعرفة السبب أولاً وقد يكون لإعادة النظر في المدخلات والمخرجات الوظيفية والمالية الدور الأهم.. إضاءة: عزيزي القارئ.. لم آتِ بتلك السيرة الموجزة الا فقط لنقل كيف هو فكر الموظف عند بدأ العمل الحكومي بل كيف قوة تأثره بما يمر به من أحداث فهو لا شك يمر بنوعين من المنابع الفكرية أحدهما مضر والآخر مفيد لذلك معلمون ولهذا معلمون فعلى الموظف حين تلقيه الدروس الفكرية من هؤلاء أو هؤلاء أن يتلف ذهنياً وعلى الفور ما يضر وينمي ما ينفع ليصب في نهاية المطاف فكرة في خدمة الوطن كما يجب عليه عدم الاغترار بما وصل اليه من مستوى تعليمي إبان التحاقه في العمل الحكومي إن لم يكن من أهل الخبره. وقفة: وطننا أحوج ما يكون هذا اليوم للتسلح بالسلاح الفكري القوي وبالذات في وقت تمارس فيه علينا حرب فكرية شرسة موجهة توجيهاً مباشراً أو هي تأتي لنا من الخلف والقصد منها المساس بوحدتنا الوطنية ولحمتنا الاجتماعيه التي جاءت كسياج يحمي أرض الحرمين الشريفين قبلة الإسلام وقلعة السنة المحمدية ومنبر الانسانية للتذكير: من أخطر الثغرات التي قد يستغلها أعداؤنا هو انفصال الفكر الوطني عن الموظف في حال تقاعده حيث يعتقد خطأ بعض الموظفين المتقاعدين أن دورهم الفكري قد انتهى ولم يعلم مثل هؤلاء أن لهم من الأدوار الفكرية الوطنية مايستطيعون به الذود عن حمى الوطن فكرياً بكل بسالة وشرف.