كنا قبل أن يُخلق هذا الوطن المقدس على يد الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل - رحمه الله - بين فريقين الأول هائم بين الجبال والأودية والقفار إما صارعاً أو مصروعاً والآخر ما إن يسدل الليل ستاره حتى يغادر موقع رزقه نحو داره غير آمن على دينه ونفسه وماله وعرضه وعقله. وصرنا اليوم ننعم بإخوة وطنية جاءت امتداداً لإخوة الدين التي أقامها أنصار رسول الله عليه السلام ومهاجروه. هذه الأخوة التي قدم من أجلها مؤسسو الدولة السعودية الأولى أرواحهم شهداء عندما سالت دماؤهم الزكية ما بين ميادين اسطنبول وزنازينها ليسجلوا أسماءهم بمداد من الذهب فوق صفحات التاريخ كأول الثائرين العرب في وجه الجهل والظلم والاستبداد. فهل أدركنا قيمة هذا الوطن من خلال صعوبة مراحل تكوين وتكون خلقه وخُلقته التي لا يكفي لإدراكها شعارات أو مشاعر نرددها سنوياً دون أن يعمل بها بعض منا حيث يكمن مفهومها بما تحمله عقولنا وقلوبنا من فكر وطني يقف دون أرضنا وعرضنا شامخاً في وجه تحولات فكرية تعصف فقط بتلك المجتمعات غير المحصنة وبالذات التي تغفل أو تتغافل أعينها عن الركيزة الأساس للفكر الوطني وهي (الإدارة المحلية) التي تضبط تعاملات الناس ومعاملاتهم وحفظ حقوقهم لتتكون قاعدة العدالة والمساواة الاجتماعية. وبناء عليه لماذا لا نجعل من يوم الوطن سماء تتكون بها سحب إبداع فكر الوطن ووطن الفكر حتى ولو اضطررنا للاستمطار كتلك السحب التي تُحفز لغرض الاستعجال في نزول الغيث عند انقطاعه. وهنا ما دام الشيء بالشيء يذكر أعتقد جازماً أننا نعاني من جفاف فكري اداري جاء بسبب قلة الحوار وتبادل الأفكار فيما بين الموظفين وكذا بسبب عدم الاستفادة من شُعب الاحصاء المعروفة اسماً والمجهولة مضموناً. الأمر الذي أدى إلى تصحر في العلاقة الإدارية والإنسانية بين كثير من الرؤساء ومرؤوسيهم مما جعل موظفي الرؤى احادية الجانب يستزرعون لهم ما لذّ وطاب في هذه المساحات الجافة على حساب خطط استراتيجية وآليات عمل وقرارات فاشلة ألقت بظلالها على الاستقرار الذي ينشده المواطن بل وعلى رسوخ مفاهيم القيم الإنسانية والدينية والاجتماعية والوطنية التي تعد مصدراً حيوياً من مصادر اللحمة الاجتماعية والوحدة الجغرافية للوطن بل هي من يدفع بعجلة التنمية ويحافظ على مكتسبات الأمة ومقدراتها. وهنا قد تطالبني عزيزي القارئ بتوضيح أكثر عن ما كتبته من عنوان ومقدمة له. لأقول بعد الاستعانة بالله هاك الاستشهاد الأول فجرائم الفساد ومنها الرشوة آخذة بالازدياد فما الذي فعله أصحاب القرار بجهاز حكومي ما استشرت به هذه الظاهرة للقضاء عليها بل هل استدلوا على مكامن الخلل التي أدت إلى بروز تلك الآفة؟ وما الحلول التي أوجدوها من وجهة نظر خاصة الإجابة بالنفي. «لذا هاكم طريقتين اعتبرهما تحليلا تشخيصيا بالإمكان أن يحدد لنا فيما بعد نوع العلاج المناسب لهذا الوباء وغيره من الأوبئة المزمنة». الطريقة الأولى الحوار الإداري: اقترح إنشاء مراكز حوارية داخل قطاعات الدولة الخدمية «المحاكم، التعليم، الصحة، العمل، الجوازات، الشرط، المرور، الاتصالات، الكهرباء، الماء.. يتم تحت قببها العمل بثقافة الحوار الإداري وقبول الرأي والرأي الآخر لأن هناك من المبدعين وأهل الخبرة والمؤهلين من يستطيع أن يساهم بفعالية لحل ما يواجهه قطاعه من اشكاليات، ولهذه الطريقة نتائج عدة أهمها تلاقح الأفكار العملية والعلمية والتقاؤها مباشرة مع فكر قائد القطاع الذي بدوره يستطيع أن يوظف ما يرغب توظيفه من مخرجات هذا الحراك الفكري داخل العملية الإدارية لتسير بأمن وأمان بعيداً عن المعوقات الطبيعية أو المفتعلة. الطريقة الثانية الاحصاء العلمي: إدارات الاحصاء وشُعبها انحصر عملها للأسف في زخرفة التقارير التي يتجمل بها المديرون العامون أمام الوزراء بل أصبحت هذه التقارير وكأنها تفرز مادة شمعية تبقى على ظهر هذا المدير أو ذاك ملتصقاً في كرسي المنصب. فماذا لو وُظف بشعب الاحصاء أناس متخصصون يستطيعون عن طريق رسومهم البيانية معرفة مدى ارتفاع مستوى هذه الظاهرة أو تلك ومدى انخفاضها وأين تكمن جغرافيتها ومتى زمنها ومن هي الفئة التي تمارسها وكيف وما السبب.. وما الذي قام به المسؤول لمواجهتها.. وهنا يقترح الاحصائيون الحلول وبدائلها. الاحصاء الفكري: هو تدوير نتائج الحوار ونتائج الاحصاء فيما بين المفكرين والاحصائيين من خلال استخدام أحدث أجهزة التقنية لتعم الفائدة ومن ثم يصمم تقارير رقمية لا تقبل التزوير ولغة إدارية علمية لا يوجد بين جملها «الأمور على ما تحب يا طويل العمر». التحسس الإداري: الحساسية المفرطة التي يعاني منها حديثو التعيين من المديرين الجدد ضد أسلافهم تؤدي دائماً إلى تراجع الأداء الإداري والدليل أن السنة الأولى لبعض من المديرين الجدد تكون في الانصراف لتصفية الحسابات أو الانشغال بالبحث عن الأخطاء وكأن لسان الحال يقول يا معالي الوزير تعيينكم لنا جاء في الوقت المناسب. أما السنة الثانية فتكون المشاكل قد تكبده أمام سعادته حتى أنه قد يحال للتقاعد وهو غارق بها. أعتقد أن الأفضل احترام جهد من سبقنا وتقدير من بقي معنا والبدء بالتطوير والتنظيم من تاريخ صدور قرار التعيين ومعالجة ما تراكم من مشاكل بصمت وتدرج. إضاءة وطنية الوطن ليس ارتباطا مع أشخاص وإنما هو كيان مقدس ترتبط به أرواحنا مباشرة. تغريدة فكرية يمكن تطبيق هذه المقترحات لمواجهة استزراع الفكر الإرهابي للقول المتصحرة من المغرر بهم إما جهلاً أو لصغر عمر. فالمصارحة أهم من المناصحة. اختبار لقياس وطنية المسؤولين خذ ورقة وقلماً واكتب أسماء منسوبي جهازك ومسمياتهم الوظيفية والمميزات التي يحصلون عليها ستكتشف مدى وطنية رئيس هذا الجهاز حيث القبيلة او الاقليم أو المصالح الشخصية هي العلامات التي يمكن أن تستخدمها في هذه المعادلة إما للطرح أو للضرب أو للجمع أو للقسمة. والله من وراء القصد.. * ماجستير في العلاقات الإنسانية