لا يحتاج موضوع أهمية الإدارة الى نقاش فهي العامل الأول والأهم في منظومة العمل، أي عمل. العوامل الأخرى مطلوبة لكنها ليست كافية دون عمل اداري جماعي تتوفر له قيادة تملك الرؤية والإرادة. كمدخل لهذا الموضوع أبدأ بتصنيف ربما يساعدنا في وضع معايير الاختيار والتقييم وضعه مؤلف كتاب (القيادة، مقدمة قصيرة جدا) السيد كيث جرينت كما يلي: - القيادة باعتبارها موقعا وظيفيا، هل المنصب الذي يحتله القائد هو ما يجعله قائدا؟ - القيادة باعتبارها (شخصا) هل الشخصية التي يتحلى بها القائد هي ما يجعله قائدا؟ - القيادة باعتبارها (نتيجة) هل النتائج التي يحققها القائد هي ما يجعله قائدا؟ - القيادة باعتبارها (عملية) هل الكيفية التي يسيّر بها القائد الأمور هي ما يجعله قائدا؟ تلك جوانب أو أنماط قيادية تساعد على الفهم ولكن الشيء المتفق عليه هو أن القيادة هي العنصر الأهم في موضوع الإدارة. في أدبيات القيادة كثير من التنظير لكن هذا التنظير نشأ أساسا على أرضية التجربة فالطفل لا يقول له أحد كيف يقود أقرانه لكنه يقودهم. التنظير يضع الأطر التنظيمية التي تساعد المديرين على أداء أعمالهم وتنمي مهاراتهم الموجودة أصلا في تكوينهم، فإن لم تكن موجودة فان المدير لن يكون قادرا على القيادة مهما شارك في برامج التنمية والتطوير. كيف اذن نستطيع اكتشاف واختيار من يملك المهارات القيادية؟ ثم نضع آلية للمتابعة والتقييم؟ أما الاختيار فيجب أن يطلب من الأسماء المرشحة لمسؤولية معينة تقديم رؤية استراتيجية وخطة عمل واضحة الأهداف والمعالم مع آلية التنفيذ والمدة الزمنية. وخلال مدة التنفيذ ولتكن أربع سنوات يكون هناك تقييم مستمر للأداء، ثم تقييم شامل في نهاية المدة وفق معايير مهنية لتحديد ما تحقق من الخطة وما لم يتحقق وأسباب ذلك. هذا التقييم يختلف عن مناقشة مجلس الشورى للتقارير السنوية للأجهزة الحكومية. نحن هنا أمام تقييم مختلف يسلط الضوء على الرؤية المستقبلية وعلى الإضافة والابداع والتميز وسرعة الإنجاز وجودة المنجز. التقرير السنوي يعده الجهاز نفسه، أما التقييم الذي نتحدث عنه هنا فتقوم به جهة محايدة. من سيقوم بهذا التقييم؟ وزارة التخطيط أم الخدمة المدنية أم مجلس الشورى أم معهد الإدارة من خلال مركز قياس الأداء الذي تأسس حديثا، أم يقوم بذلك هيئة جديدة تتفرغ لهذه المهمة.؟ قد نختلف على تحديد المرجعية التنظيمية ولكننا كما أعتقد لن نختلف على العوامل الرئيسة المشتركة التي ينبغي توفرها في القائد الإداري. يعتقد أحد المجربين أن تلك العوامل تتمثل فيما يلي: - الالتزام بأهداف معينة. - المصداقية. - القيادة بالقلب. - العلاقات. - الانضباط الذاتي. أمام هذه المعطيات من الطبيعي أن القائد لن ينجح بدون نجاح فريق العمل وهذه مسؤولية القائد بل إن مسؤوليته تتعدى ذلك الى إعداد قيادات للمستقبل وهذه احد المعايير التي تؤخذ في الاعتبار عند التقييم. العوامل السابقة تتفرع الى أمور أخرى مثل امتلاك مهارات الاتصال، والعدالة في التقييم والترقيات والعلاوات والمكافآت، والقدرة على اتخاذ القرارات. لنتخيل أننا دخلنا أحد الأجهزة ووجدنا في مدخل هذا الجهاز شاشة كبيرة كتب فيها ما يلي: (نحن نعاني في هذا الجهاز من الشللية الإدارية ومن النزاع على الاختصاصات، ومن المجاملات في التقييم، ومن الاستثناءات في تطبيق الأنظمة، ونحن نعمل بكل اخلاص على حلها) ماذا سيكون تعليقنا وموقفنا على هذه الشفافية؟ ثم ماذا سيكون رأينا إذا انتقلنا من الخيال الى الواقع وتأكدنا أن تلك المشكلات موجودة فعلا في كثير من الأجهزة. لكن المعضلة تكمن في أن هذه المشكلات تستمر وأن تلك الشاشة غير موجودة. استمرار تلك المشكلات ينعكس سلبا على مستوى الأداء ومستوى الخدمات والمنتجات والتعامل الإنساني وهذا يقود الى سؤال منطقي متكرر: أين التقييم؟ قد تكون معايير الاختيار صحيحة ولكن الميدان هو المحك. وقد تكون معايير الاختيار غير مهنية ومع ذلك يتحقق النجاح. هل هذا لغز أم تنظير؟ الواقع يشير الى أن ذلك حقيقة تؤكدها التجارب وهذا لا يلغي أهمية المعايير والعوامل التي أشرنا اليها في السطور السابقة. اذن نستطيع القول إنه مهما كانت آلية اختيار القيادات الإدارية فإن التقييم عامل مهم لا يمكن اغفاله ويجب أن يكون عملية مستمرة وأن يتسم بالمهنية ويؤخذ في الاعتبار الخطط والأهداف والنتائج والقوى البشرية والرضا الوظيفي ورضا المستفيد من الخدمة. وتبعا لذلك يجب أن يطلب من المسؤول الجديد تقديم برنامج عمل يتضمن الأهداف التي يسعى الى تحقيقها ومتى وكيف ولماذا فإن لم يفعل فكيف سيتم تقييمه؟