الحاضر هو انعكاس لخطوط الماضي على مرآة المنجز الإنساني ، وهو منصة الانطلاق إلى أهداف المستقبل ولهذا سيلحظ القارئ تداخل الأزمنة الثلاثة (الماضي والحاضر والمستقبل) في حوارنا مع الدكتور ناصر عبدالله الميمان عضو مجلس الشورى السابق رغم أنه جاء في سياق “ذكريات الأمس». ولعل السبب الرئيس لفشلنا في فصل هذا التداخل بين الأزمنة هو بحثنا عن دروس الماضي من أجل ملامح المستقبل. تحدث ضيفنا عن دور مجلس الشورى في سن الأنظمة والقوانين وتعديلها والصعوبات التي تواجهه وملامح نظام الرهن العقاري وحماية المواطن من الاحتكار والعلاقة بين الشرعيين والقانونيين وتقنين الأحكام الفقهية والعلاقة بين المجلس والأجهزة التنفيذية وكيف يراقب المجلس أداءها وما هي الجهات المستثناة من هذه الرقابة وتصوره لإصلاح أجهزة المجلس من الداخل وموقفه من الانتخابات ودخول المرأة إلى المجلس ونظرته لدورها ومساهمتها. نص الحوار: دكتور ناصر.. لعله من المنطقي أن يكون مدخلنا للحوار معك، وأنت المختص في الشريعة والقانون، حول تجربتكم في مجلس الشورى أن نبدأ بالسؤال عن دور المجلس في تطوير الأنظمة والتشريع بصفة عامة. - من المعروف أن برلمانات العالم والمجالس المشابهة مهمتها الأصلية هي التشريع وسن القوانين ، ومما لاشك فيه أن التشريع هو أحد الأدوار الرئيسية التي يقوم بها مجلس الشورى، سواء القوانين والأنظمة التي تأتيه من الحكومة أو التي يبادر هو باقتراحها وتبنيها إلى جانب ما يعرض عليه لأخذ مرئياته وملاحظاته التي تعكس خبرة المجلس وتمثيله لصوت المجتمع قبل أن تطبق عملياً على المواطنين، وعضو المجلس يتمتع بصلاحيات تفتح أمامه المجال للتقدم باقتراحات أنظمة جديدة أو تعديل أنظمة قائمة بالفعل وذلك ما تقرره المادة 23 من نظام المجلس، وقد مورست هاتان الحالتان بشكل كبير خلال الأربع سنوات التي كنت فيها عضواً في الشورى، والأنظمة المعمول بها خرجت من تحت قبة المجلس ومن خلال قنواته وبصمات الشورى واضحة عليها .. ومن أمثلة هذه الأنظمة : نظام الرهن العقاري ، نظام الشركات وتعديلاته ونظام التحكيم و نظام المرافعات وقواعد المرافعات أمام ديوان المظالم ونظام الإجراءات الجزائية ونظام مزاولة المهن الهندسية ، نظام المياه والبحار وغير ذلك من الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والقضائية وغيرها ، فمجلس الشورى يقوم بدور فاعل في التشريع سواء بسن الأنظمة ابتداء أو التعديل عليها أو الدراسة لها، وإذا حدث تباينا في وجهات النظر بين مجلس الشورى ومجلس الوزراء وتمسك كل مجلس بوجهة نظره يعرض الموضوع محل الخلاف على الملك للفصل فيه وغالباً ما يكون رأي الملك مؤيداً لرأي مجلس الشورى. أشرتم إلى نظام الرهن العقاري ، وهو من الأنظمة الحديثة التي طال ترقب الناس لها، ودارت حوله النقاشات باعتباره أحد أسباب الكارثة الاقتصادية في أمريكا، فهل وضعتم تلك المحاذير في الاعتبار أثناء دراستكم لهذا النظام؟ - عندما نتحدث عن الرهن العقاري فنحن نتحدث عن أربعة أنظمة وليس نظاماً واحداً وهي : 1- نظام الرهن العقاري المسجل ، 2- نظام التمويل العقاري ، 3- نظام الإيجار التمويلي ، 4- نظام مراقبة شركات التمويل، وقد درست هذه المجموعة بعناية كبيرة وأقرت في الدورة الخامسة، وقد ناقش المجلس ما حدث في الولاياتالمتحدةالأمريكية وأخذ بعين الاعتبار الكثير من النقاط التي أدت إلى ما حدث هناك وفي واقع الأمر أن سبب الكارثة التي حلت بالاقتصاد الأمريكي ليست بسبب الرهن العقاري بحد ذاته بل بسبب المشتقات الثانوية التي تفرعت عن التمويل والتصرف في الديون عن طريق السندات وبيع الديون لعدة مرات وهذه المشتقات ممنوعة في النظام السعودي وقد خصص نظام مستقل هو نظام مراقبة شركات التمويل ووضعت له لائحة تنفيذية فيها العديد من المحددات لمنع حدوث أي كوارث اقتصادية. ثم إن المجلس نظر إلى الرهن العقاري من خلال أزمة الإسكان المتفشية في المملكة العربية السعودية ، ورأى المجلس أن أنظمة الرهن العقاري سوف تساعد في حل هذه الأزمة وتوفير المسكن الملائم للمواطن السعودي. لكن نظام الرهن العقاري لايزال غير واضح بالنسبة للناس ، فالمواطن متخوف من أن يتحول إلى قوة في يد المصارف وشركات التمويل وتجار العقار والذي يدفع الفاتورة في النهاية هو المواطن ، فهل من ضمانات لحماية المواطن والذي يعتبر الطرف الضعيف في هذا النظام ؟ - الحمد لله الأنظمة موجودة ومنشورة على الانترنت وبإمكان أي أحد الإطلاع عليها وقد قامت مؤسسة النقد بوضع اللوائح التنفيذية التي توضح كل نظام فلا أرى غموضاً بعد ذلك ولا شك أن نظام الرهن العقاري القادم سيكون أفضل حالاً مما نحن عليه الآن حيث الوضع الحالي يصعب على المواطن توفير مسكن له إذا لجأ مباشرة إلى البنك فلا يمكن أن يقبل البنك بالرهن من أساسه فيضطر المواطن للجوء إلى شركات التقسيط الموجودة في السوق فيأخذ القرض مضاعفاً بأربع مرات وتنقل ملكية العقار محل القرض لدى الجهة المقرضة ولا تتوفر فيها شروط الأمان والتعامل معها تحفه مخاطر عديدة ، وذلك عكس الرهن العقاري الذي يفتح باب المنافسة بين البنوك وغيرها وعندها تنخفض تكاليف الإقراض وسيوفر المسكن للمواطن بقرض منخفض الفائدة. وسبب تشدد البنوك وشركات الإقراض وارتفاع تكلفة القرض هو عدم وجود تشريعات قابلة للتنفيذ تحمي حقوق الطرفين. والأنظمة التي أشرت إليها سابقاً كفيلة بحق حماية المواطن ووضع الضمانات الكافية له ليتملك بقرض عادل في ظل تشريعات سليمة. بصراحة المواطن يخشى من أن يتم اتفاق بين البنوك وتجار العقار بحيث ترتفع قيمة المساكن، فهل هناك جهة للرقابة على الأسواق؟ - الحقيقة أن الذي سيحكم السوق هو المنافسة والذي سيتولى مراقبة السوق هي مؤسسة النقد العربي السعودي التي تتولى مراقبة شركات التمويل ، وفي النظام عقوبات مشددة توقع على الشركات المخالفة والتي قد تصل في بعض الحالات إلى إغلاق المؤسسة إضافة إلى الغرامات. وسبق أن أشرت إلى نظام مراقبة شركات التمويل والذي يحتوي على مجموعة كافية من العقوبات التي تمنع التلاعب في سوق العقار. هناك حديث متداول حول احتكار بعض الأسماء لمجالس إدارات الشركات المساهمة كما هو واضح في البنوك .. هل لهذا الواقع علاج قانوني؟ - ارتفاع سقف الحريات من أهم المزايا التي تعطى للشركات ، فبمقدار ما تمنح هذه الشركات من الحريات بقدر ما تحصل على توسعات وإبداع في الأعمال ومعلوم أن مجالس الادارة تخضع لنظام الانتخاب والذي يعتمد على عدد الأصوات وفي الغالب يتفق كبار حملة الأسهم على الأسماء المرشحة التي يظنون أنها تحقق مصالح الشركة وفرض تشكيل معين على مجالس الإدارات ولا يسمح به النظام بل يتعارض معه . ووقوع بعض التجاوزات في تعيين الأعضاء أمر واقع في جميع الأنظمة ولا يعد مخالفاً للنظام . من واقع خبرتكم كرجل قانون وتجربتكم داخل أروقة الشورى .. ما هي أبرز الصعوبات التي يواجهها المجلس في تحديث الأنظمة القائمة أو إقرار أنظمة جديدة؟ - اختلاف آراء الأعضاء بسبب اختلاف مرجعياتهم المهنية أحد الأسباب كما أن خلو اللجان من المستشارين القانونيين يعتبر من أهم الصعوبات التي تواجه إقرار أو تعديل الأنظمة داخل مجلس الشورى ، فعلى سبيل المثال وجود عالم بيئة داخل اللجنة الصحية ، فمهما أوتي هذا العالم من علم في مجال البيئة فإنه لن يتمكن من صياغة نظام لإدارة النفايات ، فلابد من وجود مستشار قانوني بجانب هذا العالم ليفصل له النظام كما يريد وخلو اللجنة من المستشارين القانونيين يجعل النظام يخرج في صورة آمال وتطلعات ونتيجة لذلك تدخل النقاشات في معترك طويل يأخذ الكثير من الوقت للنقاش داخل المجلس من أجل وضعه في صيغة يقبلها القانونيون، وأحيانا يخرج بعض الأنظمة إلى الحكومة ويعود بملاحظات وجيهة لأنه ليس في شكل نظام صحيح. هناك حديث معروف حول الحساسية بين الشرعيين والقانونيين فهل تنعكس على صياغة الأنظمة داخل المجلس؟ - من واقع تجربتي داخل أروقة المجلس استطيع أن أقول أنه بالرغم من اختلاف الأطياف والتوجهات داخل المجلس، فإنه لا توجد أي حساسية بين الأعضاء لأن الاختلاف في آرائهم له هدف واحد لا يختلف عليه أحد وهو المصلحة العليا للوطن، ولو كان التمثيل لأحزاب أو لأيديولوجيات لطغت مصلحة الحزب أو الايديولوجيا على المصلحة الوطنية. لكن ماذا عن الاختلاف بين الشرعيين والقانونيين هل ينعكس ذلك تحت قبة المجلس؟ - أؤكد تحت قبة المجلس لا مكان للتحيز لتوجهات أو أفكار فالهدف مشترك والدافع واحد "المصلحة الوطنية " ولم أجد تحت القبة سوى احترام وجهات النظر المختلفة وليس هناك اختلافات حقيقية بمعنى اختلاف تضاد بين القانونيين والشرعيين لأنه في جميع الأحوال وأولاً وأخيراً الكتاب والسنة هما مصدر التشريع في المملكة العربية السعودية وما يقع من اختلاف بين الفريقين هو اختلاف تنوع وفي أصله خلاف فقهي ونهاية الأمر يخضع للتصويت فهو الحكم. دعنا نخرج من دائرة التشريع إلى دائرة الرقابة على الأجهزة التنفيذية من واقع تجربتك كيف ترى دور المجلس في الرقابة على الأجهزة وما هو تقييمكم لها وكيف تتمناها في المستقبل؟ - الرقابة على الأجهزة التنفيذية تعتبر من أهم اختصاصات المجلس ، والرقابة نوعان: النوع الأول هو رقابة الأداء بشكل عام ، والنوع الثاني المراقبة التنفيذية والتي تعني المحاسبة السابقة والملاحقة والذي يطلبه الناس من المجلس هو الرقابة التنفيذية وهذا لا يصح لأن المجلس ليس جهة تنفيذية بل هو سلطة تشريعية وذلك النوع من الرقابة من حق الأجهزة التنفيذية مثل هيئة الرقابة والتحقيق وديوان المراقبة العامة وهيئة مكافحة الفساد كما أن المجلس يمارس رقابته على هذه الأجهزة وهو هل تؤدي رقابتها بشكل صحيح. فرقابة المجلس ليست رقابة مباشرة ولا يتوقع منه الحساب والعقوبة والمكافأة ومع ذلك فإن الدور الرقابي الذي يمارسه المجلس يحتاج إلى تعزيز أكبر ونأمل أن تقر آلية لتنفيذ توصيات المجلس الرقابية على الجهات الحكومية ومحاسبة الجهات الرقابية التنفيذية على عدم متابعة الأجهزة الحكومية في تنفيذ توصيات مجلس الشورى. كيف تتصور هذه الآلية ؟ - في الحقيقة عندما يصدر المجلس قراراته وترفع للملك فما يقره الملك منها يعد ملزماً للأجهزة الحكومية والجهة التي لا تنفذ القرار المعتمد تعد مخالفة لأمر سام وبالتالي يلزم جهات الرقابة في الدولة محاسبة الجهة على هذه المخالفة هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أتمنى من لجان المجلس عندما تستضيف الجهات لمناقشتها حول تقريرها السنوي أن تتوسع في استفهامها عن مدى التزامها بتوصيات المجلس التي أقرت من المقام السامي وأسباب عدم التنفيذ وبعدها يرفع المجلس تقريره للملك بطلب المحاسبة للجهات المخالفة. هناك سؤال يطرحه الكثيرون: هل يستطيع المجلس بما له من صلاحيات إلزام رؤساء الأجهزة التنفيذية وكبار المسؤولين بالامتثال لتوصياته؟ - هذه الصلاحيات تكون لرئيس مجلس الوزراء وحده فهو الذي يملك إلزام رؤساء الأجهزة التنفيذية الوزراء وكبار المسؤولين بالامتثال لتوصيات مجلس الشورى كما أشرت سابقاً. كيف ترى تعاون الأجهزة التنفيذية مع المجلس وهل يواكب الحراك التنموي الذي تعيشه البلاد في مختلف القطاعات؟ - المجلس يحظى باحترام الأجهزة التنفيذية من حيث الحضور والإفصاح فرؤساء الأجهزة التنفيذية يحضرون إلى مجلس الشورى إذا تمت دعوتهم .. وهنا يقع الحراك الذي تسأل عنه فالأجهزة التنفيذية لديها خططها وبرامجها المنبثقة من أرض الواقع والمجلس يحمل الرؤية التطويرية والرغبة في تحسين الأداء والخدمات ومن خلال نقاش الجهتين المستفيضة تخرج التوصيات والقرارات وتبقى الاستجابة لها وهنا تتفاوت الجهات في التفاعل فالأمر نسبي وبلا شك أمر التغيير يحتاج إلى وقت. هل هناك جهات مستثناة من رقابة المجلس ولا تعرض التقارير الخاصة بها عليه؟ - مجلس الشورى تعرض عليه تقارير جميع أجهزة الدولة ولكن هناك بعض الجهات كانت تعرض تقاريرها ثم توقفت مثل وزارة الداخلية ووزارة المالية وسبق أن طالبنا بضرورة عرض هذه التقارير على مجلس الشورى خاصة أن أنها تمس جوانب مهمة في التنمية. البعض يرى أن ضعف المجلس يكمن في صلاحياته، هل تتفق مع هذا الرأي ؟ وهل ترى وجوب إعادة النظر في صلاحيات المجلس؟ - مجلس الشورى يحظى باهتمام وتقدير القيادة التي تحرص دائماً على الأخذ برأيه في جميع المجالات وخصوصاً ما له مساس بحياة المواطن اليومية ومشكلاته الاجتماعية ومن أجل المزيد من المشاركة ولمصلحة الوطن والمواطن وتحسين مسيرة التنمية التي تهدف إلى رفاهية المواطن أرى أن المجلس يحتاج إلى المزيد من الصلاحيات التي تفعل دوره مثل : استجواب الوزراء وحق تشكيل لجان الاستطلاع وتقصي الحقائق ولجان التحقيق الخاصة في القضايا المهمة ومثل مناقشة الميزانية العامة للدولة مع وزارة المالية قبل إقرارها. أشرتم إلى أن المجلس يحتاج إلى إصلاحات داخلية فما هو تصورك لهذه الإصلاحات؟ - في واقع الأمر أن رئيس المجلس الشيخ عبدالله آل الشيخ يبذل جهداً كبيراً في سبيل تطوير عمل المجلس وهو بطبعه سلمه الله رجل دولة بحق ومنفتح على جميع الآراء ومحب للتغيير وهناك عبارة برلمانية شهيرة تقول " المجلس سيد قراره " ومعنى هذه العبارة أن مجلس الشورى أو البرلمان لا سلطان لأحد عليه ، وهو يصدر القرارات بذاته وكل مجلس أو برلمان له هيئة عامة مشكلة من رؤساء اللجان الذين انتخبهم الأعضاء ، وهي موجودة في مجلس الشورى وهي مصدر السلطات فيه ولكن واقع الحال اليوم أن صلاحيات الهيئة العامة موزعة على إدارات أخرى في المجلس بينما يجب أن تتمتع بكامل الصلاحيات، كما أرى الحد من دور إدارة المستشارين في المجلس فإدارة المستشارين تأخذ دورا أكبر من حجمها في الواقع ويخضع المجلس والأعضاء بعض الأحيان لقرار إدارة المستشارين وتعرض الكثير من القضايا عليهم، كما يحتاج المجلس إلى دعم علمي وفني أكبر من الحالي فالمجلس يتشكل من أعضاء ومن لجان وبقدر ما ندعم هؤلاء الأعضاء فنياً وعلمياً بقدر ما نحصل على آراء وإبداعات وبقدر ما ندعم اللجان بقدر ما نرشد القرار وندعم التوصية الخارجة من المجلس فالعلاقة طردية بين الدعم والنتيجة المحصلة ، والدعم الفني المتاح حالياً للعضو أقل مما يتمناه ، صحيح أنه توجد إدارة البحوث والدراسات لكنها لا تفي بالدعم المأمول ولو أن هذه الإدارة شكلت من دوائر سياسية واقتصادية واجتماعية وخارجية وغيرها مما يتناسب ووضع اللجان ودعمت كل بند من البنود التي تعرض على المجلس بإحصائيات وبيانات ومقارنات ومقاربات دولية عند عرض الموضوع فهذا يعتبر من قبيل الدعم العلمي الذي يساهم في ترشيد القرار وكذلك الأمر بالنسبة لإدارة أعمال اللجان فإنها تحتاج إلى كفاءات عالية الأداء مدربة لأن اللجان هي المعمل الحقيقي للقرارات الصادرة من المجلس ، حتى لو اضطررنا لشراء المعلومات من المحاضن العلمية خارج المجلس ، كالجامعات والمعاهد المختصة ومراكز البحث العلمي محلية أو دولية. هل ترى أن هذه (المعوقات) مرتبطة بمعايير اختيار الأعضاء؟ أي هل يجب أن يكون العضو صاحب اختصاص ؟ - ليس بالضرورة أن يكون الاختصاص هو المعيار الرئيسي لاختيار الأعضاء، فهناك رؤية أكبر لدى ولي الأمر لتمثيل كافة شرائح المجتمع وأطيافهم وتوجهاتهم داخل المجلس فليس بالضرورة أن يكونوا من المختصين فقط وإلا أصبحنا أمام مجلس علماء أو خبراء ويتحول المجلس إلى أكاديمية. هذا الكلام ينقلنا إلى ما يطرحه البعض من ضرورة إتاحة الفرصة لدخول مجلس الشورى عن طريق الانتخاب .. فهل أنت مع هذا الرأي؟ - الانتخاب بشتى أشكاله وصوره يعد اليوم من أهم الوسائل الدولية المعتبرة في توسيع قاعدة المشاركة المجتمعية في الحكم التي هي من أسس الحكم الرشيد ولكن ليس بالضرورة أن يكون ناجحاً في كل مجتمع فقد ينجح في بيئة ولا ينجح في أخرى ولنا هنا في المملكة العربية السعودية تجربة نشهدها حالياً في الانتخابات البلدية وهي متجهة نحو الترشيد وإن كانت في البداية لم تكن في المستوى المطلوب وأكاد أجزم أن الانتخاب وحده لن يأتي لنا بهذا التنوع من الكفاءات العلمية والعملية الذين زاملناهم في المجلس أو الذين يشملهم حالياً ، ولكن لا بأس بأن يكون هناك جزء من التمثيل بالانتخاب فذلك من شأنه توسيع قاعدة المشاركة وهذا مطلب مهم وهو محل اهتمام القيادة فأنا مع الانتخابات مستقبلياً ولكن بشكل جزئي. مسألة التمثيل مرتبطة بخريطة التيارات الفكرية والثقافية الموجودة داخل المجتمع السعودي فهل لاحظتم تحت قبة الشورى هذا التمثيل في القضايا الخلافية كقضايا المرأة ودخولها مجلس الشورى وسوق العمل؟ - خلال أربع سنوات قضيتها بين أروقة المجلس لم ألمس سوى إعلاء المصلحة العليا للوطن، وهذا لا يمنع من القول بأن هناك تباينات أحياناً في وجهات النظر ولكن في سياق أدبي جم ورشيد لا يوجد فيه توتر ولا انفعال وفي النهاية الحكم هو التصويت فلا مشادات ولا مجادلات، ونظام الشورى يكفل حق إعادة التصويت في حالات محددة وقد مورست في الدورة السابقة مرة أو مرتين فقط . في اعتماد القرارات هل يرجع إلى رأي اللجنة المختصة أم أن التصويت قد يلغي رأي اللجنة المختصة .. بمعنى لو أن اللجنة الاقتصادية درست قضية وأقرتها ووافقت عليها هل يمكن أن يلغى قرارها إذا لم تحصل على أغلبية التصويت ؟ - اللجان تقوم بتوصياتها إلى المجلس بعدد دراستها للبنود المحالة إليها والقرار للمجلس فكثيراً ما تسقط توصيات اللجان المختصة من قبل المجلس بناء على خبرة الأعضاء وآراء أعضاء مختصين ليسوا في اللجنة أو اعتماداً لوجهة نظر الأقلية في اللجنة فالموضوع أولاً وأخيراً تقرير مصالح ومفاسد والمجلس يبحث عما يحقق مصلحة الوطن والمواطن لأنه ضمير الشعب وصوت المواطن فأي توصية أو قرار يحقق المصلحة بشكل أكبر ترى المجلس يتجه إليه ويقف معه والعكس صحيح فبالتالي نجد المجلس أحياناً يقف مع رأي اللجنة المختصة ويرجح رأيها أحياناً ويؤيد رأي الحكومة أو رأي المختصين من خارج المجلس أو رأي الأقلية وهكذا. ولكن ألا يتم اختيار أعضاء اللجان بناء على تخصصهم ؟ - اختيار اللجان يتم بناء على رغبة العضو والأمانة العامة للمجلس تحاول جاهدة تلبية رغبات الأعضاء لكن عند تزاحم الرغبات ترجح جانب التخصص في اختيار اللجنة ، وأرى أن عدم اختيار بعض المختصين للجان الموافقة لتخصصاتهم أمر مهم جداً ويثري النقاش ويساهم في حسن اختيار القرار لأنه يطلع المجلس على وجهة النظر الأخرى وأنا شخصياً عشت هذا الأمر فطوال فترة وجودي في المجلس لم أدخل في اللجنة التي توافق تخصصي وبهذا السبب تمكنت من تقديم توصية تقنين الشريعة التي أقرها المجلس. بالمناسبة ما هي وجهة نظر المجلس في تقنين أحكام الفقه خاصة ما يخص تقنين أحكام القضاء؟ - تقدمت للمجلس بتوصية إضافية على تقرير وزارة العدل بضرورة تقنين الشريعة وإلزام المحاكم بها وأقرها المجلس بالأغلبية حتى من بعض أعضاء اللجنة المختصة الذين رفضوها في البداية وافقوا عليها عند النقاش واليوم أضحى تقنين أحكام الشريعة واجباً لا مفر منه فإذا أردنا أن نصلح بيئتنا العدلية والتشريعية وإذا أردنا أن نفتح أبواب الاستثمار وأن نوجد استثماراً حقيقياَ وتنمية حقيقية داخل المملكة العربية السعودية فلابد من وجود قانون شرعي مكتوب يطلع عليه أي أحد فيعرف ماله وما عليه، على أن يكون أساس التقنين على يد نخبة من أساطين الفقهاء من غير تقيد بمذهب معين وإنما بالقول الراجح الذي يتناسب مع العصر ولا يخالف نصاً من كتاب أو سنة. وأين وصل هذا القانون؟ وهل تعتقد أنه سيظهر للنور عما قريب؟ - التوصية خرجت من المجلس وهي في طريقها إلى وزارة العدل، ونحن نتفاءل دائماً فلولا الأمل بطل العمل ، ونأمل أن يخرج للنور قريباً حتى لو كانت البداية في تقنين بالأحكام التعزيرية. لو طلب منك أن تضع "خارطة طريق " مستقبلية للمجلس فما هي أهم النقاط التي توصي بها ؟ - إعطاء المجلس المزيد من الصلاحيات وتوسيع قاعدة المشاركة وزيادة عدد مقاعد المجلس حتى تتاح الفرصة لأكبر عدد ممكن من الكفاءات ، فعدد السكان اليوم 20 مليون تقريباً ومن المهم أن تتاح فرصة المشاركة في المجلس لأكبر عدد ممكن من الكفاءات الذين تمتلئ بهم البلاد ولله الحمد ، كذلك ضرورة السعي إلى تأكيد إلزامية قرارات المجلس التي تمت الموافقة السامية عليها . هذا مدخل آخر .. كيف ترون مشاركة النساء في مجلس الشورى بعد دخول ثلاثين امرأة؟ - المرأة جزء لا يتجزأ من المجتمع والمجلس يعرض عليه الكثير من القضايا التي يكون رأي المرأة فيها مهماً لذلك كان لدينا مستشارات في المجلس وارتفاع تمثيل المرأة في المجلس من مستشارة إلى عضو شيء مهم للغاية فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يستشير النساء مثل أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها التي أشارت عليه يوم الحديبية بأن يبدأ هو بحلق رأسه والتحلل من إحرامه حتى يقتدي به الصحابة وكان رأيها صحيحا وأخذ به الرسول صلى الله عليه وسلم واقتدى الصحابة بعقلها. هل لمستم داخل المجلس أن هناك من "يوظف" قضايا المرأة لتأييد وجهات نظر بعينها أو الوقوف ضد أخرى ؟ - لم ألمس ما تفضلتم به ولا أظن أن هناك حاجة لذلك كل ما في الأمر أنه يوجد تخوف من البعض من أن خروج المرأة للعمل يتسبب في إهمال بيتها وضياع دور التربية والأمومة ومن ثم يحل بالمجتمع ما حل بالمجتمع الغربي بسبب هجر المرأة لبيتها وانخراطها في العمل لكن الرأي السائد هو أن للمرأة أن تعمل في بيئة مناسبة لها شرعاً وفي عمل يوافق طبيعتها ويمكن أن تجمع بين العمل ورعاية البيت وبهذا نخرج عن المحظور الذي وقع به الغرب وهذا أمر وسط والوسطية مطلوبة دائما قال تعالى (وجعلناكم أمة وسطا). بمناسبة الحديث عن دخول المرأة هناك من يرى ضرورة إشراك الشباب في مجلس الشورى فهل تؤيد هذا التوجه؟ - المجلس يوجد فيه عدد من فئة الشباب وزيادة عدد هذه الفئة جيد ومفيد. ما هي الإضافة التي تتوقع أن يضيفها الشباب للمجلس ؟ - الشباب يحمل ثقافة مختلفة اليوم وله اهتمامات وتطلعات تغاير اهتمامات الشيوخ وأفكارهم وبالتالي فإن الاستماع لهم وحل مشكلاتهم فيه خير كبير حتى لا نعيش جيلين منفصلين وحتى ترسخ ثقافة الحوار مع هذا الجيل الجديد ونشركهم في صناعة القرار الذي سيطالهم وسيعيشونه بأنفسهم وتطعيم المجلس بالشباب يمزج الخطوط ويعمق ثقافة الحوار والنقاش ، إن تمكين الشباب يكون لدينا قاعدة من قادة المستقبل، وفي مزج حكمة الشيوخ مع حماس الشباب بقوله القرار المكتمل ، ولنا قدوة بالنبي صلى الله عليه وسلم. مع كون المجلس معيناً من قبل الملك .. هل تعتقد أن رضا المواطنين يشغل بال أعضاء المجلس؟ - بالتأكيد نعم .. فمطالب الناس وشكاواهم هي ضمير المجلس الذي كان يستشير الشباب ويقربهم إليه ، وكذا عمر الذي كان يدخل عبدالله بن عباس رضي عنهما مع أهل بدر وهو صغير السن ولابد أن يستحضر هذا الشيء في كل قضية تعرض عليه، لكن مع الأسف هناك فجوة إعلامية بين المجلس والمواطنين أدت إلى أن يقرأ مجلس الشورى قراءة خاطئة من قبل بعض المواطنين ، فلو سعى المجلس إلى ردم هذه الفجوة لاطلع الناس على حقيقة ما يدور داخل المجلس ، حيث أنه في الواقع تحت قبة الشورى يوجه المجلس انتقادات أكثر صراحة وشدة من تلك التي تدار في المجالس العامة والخاصة. ومن يتحمل مسؤولية هذه الفجوة وهذا الجفاء وانعدام الثقة بين المجلس والمواطن؟ - يلام على ذلك المجلس أولا وأخيراً لأنه المسؤول عن خلق هذه الثقة وليس المواطن فهو المقصر ويجب عليه أن يسعى إلى المواطنين وأن يفتح أبوابه أمامهم وأن يعمل على تجسير هذه الفجوة الإعلامية بينه وبين المواطنين. دكتور ناصر .. أنت عشت في المجلس أربع سنوات واطلعت على "عيوب" المجتمع ومؤسساته فهل تلخص للقارئ أبرز الدروس التي خرجت بها من هذه التجربة؟ - أولا: وطننا به الكثير من الكفاءات والعقول القادرة على بنائه، ووجودي في الشورى أتاح فرصة التعرف على الكثير من العقول المتميزة التي أسأل الله أن تستفيد منها المملكة وأن تؤدي دورها المنوط بها في تنمية هذا الوطن وبنائه ورفعته. ثانياً: أنه بالحوار والنقاش وحده يمكن الوصول للنتائج الصحيحة والمثمرة وبالتالي لا مكان للتعصب والعناد فقد رأيت بعيني التلاحم والأخوة الرائعة الموجودة داخل المجلس بالرغم من وجود الاختلاف في وجهات النظر. ثالثاً : التأني في إبداء الرأي في الأمور فلابد من الاطلاع على وجهات النظر المختلفة والآثار المتوقعة سلبياً وإيجابياً وكذلك على الواقع الفعلي فكثيراً ما يعجب الإنسان بوجهات نظر ابتدائية وما أن تخضع لردود المختصين واللجان حتى يظهر ضعف تلك الأفكار وما تحمله من أخطاء. رابعاً : أن سبيل الإصلاح طويل ويحتاج التدرج والتأكد من دراسة جميع أطراف الموضوع قبل إقراره .