لن تنحصر الحروب والانشقاقات والصراعات السياسية والعسكرية بالنيابة عن دول إقليمية ودولية بما يجري بسوريا والعراق وحدهما، فهناك مؤشرات دولة كردية عراقية ناشئة تخشاها تركياوإيران معاً، وهناك نواة دولة سنية في شمال وغرب العراق، وأراضي في شمال وشرق سوريا، ومن يعتقد أن داعش اللاعب الأساسي يخطئ، وإن كانت الواجهة التي جعلتها تنظيمات العراق الفزاعة التي أدت إلى هروب جيش المالكي، لأنها فقط، حتى لو ظهرت بصورة الإرهاب الأخطر من أي تنظيم آخر فهي بالعراق مهادنة، لأنها تعلم أن من طرد القاعدة هم الصحوات، وهم الآن حلفاؤها، وبالتالي قد لا تشكل القيادة الحقيقية، ولا القوة الأساسية أمام تحالف عشائري تخشاه، عكس ما يجري في سوريا من قتل عشوائي وبربري لا يفرق بين سني وطائفة أخرى.. إيران متشابكة مع البلدين، فهي ترفض إسقاط الأسد حتى لو كلفها خسائر مادية وبشرية هائلة، ونفس الأمر مع المالكي، لكن هل تقوى على مجابهة واقع هلامي غير منضبط وبكلفة عالية تضاف إلى محاولة انتشار قواعد لها في آسيا الوسطى، واليمن والسودان وأفغانستان، وهل أكرادها سوف يبقون على الحياد وهم يرون ولادة دولتهم بالعراق والتي ستكون غنية بالنفط والموارد الطبيعية الهائلة، ونفس الأمر مع تركيا والتي يشكل أكرادها القاعدة الكبرى للدولة القادمة؟ انعكاس هذا الوضع أدى إلى أن يقوم السيستاني بالدعوة للجهاد (الكفائي) بعد أن رأى الوضع في العراق ينزلق إلى حرب طائفية، وهل جاءت الفتوى بمبادرة ذاتية، أم تنسيق مع المرشد في إيران وبقية الآيات والمراجع الدينية الشيعية؟ الدعوة أثارت جدلاً ليس فقط من قبل السنة والذين ليس لهم المرجعية التي تعرف عند الشيعة، وحتى من قبل أحد المراجع الدينية في النجف السيد الصرخي الذي أدان الفتوى، ورفضها، معتبرها إعلان حرب بين السنة والشيعة، والموضوع إذا كان حشد بشري بين طرفي الخلاف، فالعراق له رصيد في الداخل وإيران، ونفس الأمر بالنسبة للسنة فهناك ما يسهل حشد أضعاف تلك المجاميع وهي وصمة عار في تاريخ الإسلام بفصائله أن يتقاتل أصحاب الدين الواحد على خلافات ليس لها أساس موضوعي في بنية الدين، ومن خلال فتاوى دينية يقودها علماء الطرفين.. لقد بدأت الشرارة في سوريا من خلال ثورة سلمية للمعارضة، انتهت إلى حرب إبادة تقودها السلطة بتحالف روسي إيراني عراقي، لكن الانفجار الذي حدث في العراق غير المعادلات ووضع البلدين أمام سيناريوهات أخرى جديدة.. فأمريكا، كما خطواتها التي بدأت في فيتنام إرسال خبراء ومستشارين انتهت بحشد ما يزيد على نصف مليون عسكري بكامل تسليحهم التقني المتفوق، والحالة بالعراق تجري على نفس الخطوات وربما تعود القوة بنفس الزخم أثناء الاحتلال، لكن استشعار الخطر هل يقود تركيا باعتبارها عضو بحلف الأطلسي الدخول مع أمريكا في شراكة عسكرية، أمام مهادنة من إيران، وما هو موقف روسيا التي تريد إبعاد أمريكا عما تعتبره فضاءها الدولي؟ التهديد القادم ليس رسم خرائط ومحاربة فصائل متطرفة مثل داعش والنصرة، وإنما مع من سوف تحارب أمريكا، وأي تيار سوف تؤيده، وهي التي تواطأت مع نظام الأسد برفض دعم المعارضة ومحاولة إنقاذ نظام المالكي، فهل تكون جبهة حرب مع السنة كلها وتتحمل تبعات ما هو أخطر من فيتنام، أم تقوم بتسويات ضاغطة تنفذ مشروعها من الفشل في المنطقة كلها، وترعى وحدة الدول الإقليمية، كما الدولتين العربيتين، أم تواجه مأزقاً جديداً يذهب إلى صراع أممي؟!