لم يهدأ الوضع العراقي منذ الاطاحة بالحكم الملكي، وإلى عصر المالكي، وقد ملَّ الشعب السحل والذبح على الهوية وصراع المذاهب، ثم القفزة النوعية لبروز داعش التي ظهرت على السطح من ركام تلك الأنظمة، وخطورتها وتمددها ثم تحكمها بمصائر خطيرة كقطع مياه الفرات عن محافظات في الوسط والجنوب وهي العملية الأولى من نوعها، وهذا يكشف مدى هشاشة النظام العاجز عن السيطرة على المراكز الحساسة التي تتصل بالوجود العراقي وأمنه.. وسط هذا الوضع تجري الاستعدادات للانتخابات القادمة بتوافق تام إيراني - أمريكي ترشيح نوري المالكي لولاية ثالثة بينما هناك حشد من قوى أخرى يقودها فريق الصدر والحكيم مع تجمعات أخرى ترفع شعار التغيير والرفض لترشيح رئيس الوزراء. والتطورات الجارية تثير التساؤلات العديدة، هل يعني ذلك اتفاقاً على تغيير شخص وفريق عمله، أم عودة بالعراق الحر والمنتمي لحظيرته العربية التي سد منافذها نظام المالكي، أم تقاسم نفوذ لترشيح شخص تتفق عليه هذه الأطراف ويبقى الهيكل والقائمة تسير بنفس الاتجاه؟ الجميع جرب الحرب والقطيعة وتمزق الساحة العراقية، والكل يعرف أن العراق الضعيف والمتداعي يحتاج إلى رسم سياسة جديدة تبعده عن المحاور الاقليمية والدولية، ويحتاج من قادته ألا يكون الهدف إبدال شخص بآخر في بلد يملك إمكانات هائلة تستطيع أن تجعل العراق بلداً متقدماً بكفاءة شعبه، وليس في احتكار السلطة لفئة أو حزب.. الأغلبية الشيعية حقيقة قائمة، ولم تذهب في أي يوم بأن ترهن العراق في يد أجنبية، بل إن المواطنة اقترنت بالمذهب، وما حدث من حروب مذاهب لا يعيشه العراق وحده، فقد سبقه لبنان، واليمن والصومال، وأخيراً سورية وهي دوافع لتراكم أخطاء حكومات ونظم فجرت الساحات العربية، وقد كان العراق نموذجاً للتقدم والتعايش، وعودته لطبيعته مرهونة بإرادة قادته من علماء حوزة، وسنّة وأكراد، وكل المنظومات التي تشكل هيكل العراق، ومن يعتقد أن أمريكا أو إيران تسعيان لخلق عراق قوي تصدمه حقيقة ما تخطط له دوائر البلدين، فكلاهما له مسعى خاص في تمرير أهدافه وتحقيق مصالحه، وقد لا يهمهما بقاء المالكي أو غيره، وإنما المحافظة على مكاسبهما في هذا البلد.. الحمل كبير ويحتاج لوقفة وطنية ليس بالضرورة من قبل ليبرالي أو ديني وإنما مواطن يأخذ بجني النتائج بحيث يطرح مشروع العراق الموحد وبمساندة من جميع القوى الفاعلة، وخاصة الاخوة الشيعة الذين لهم القدرة على وضع العراق على خط الوحدة الوطنية كبديل عن التشتت والتحارب، ثم البحث عن طريق موصل للتعامل مع محيطه العربي في خلق بيئة عمل مفتوح سياسي وأمني واقتصادي، والفضاء العالمي على مستوى التكافؤ واستقلال القرار وبُعده عن المحاور والتكتلات الأجنبية، لأن أمن العراق يوفر له ولمحيطه فرص الاستقرار والنمو بعد معاناة السنين الطويلة الماضية.. الكل يتمنى رؤية عراق موحد ومستقر، ورجاله قادرون على إعادته إلى طبيعته بشرط أن يكون الولاء للوطن أولاً وأخيراً..