معظم الناس مؤدبون بطبيعتهم، وراقون في تعاملاتهم، ولا يدخلون الإنترنت إلا للبحث أو تمضية الوقت.. ولكن هؤلاء بالذات هم "الفئة الصامتة" التي لا تسمع لها صوتاً، ولا تعرف لها رأياً- وبالتالي- تترك الساحة لفئات شاذة تعوض ضآلة حجمها برفع صوتها والتطاول على غيرها دون مساهمة حقيقية أو إضافة إيجابية!! .. المؤكد أن مجتمعنا تغير بسبب الإنترنت ودخوله بالآلاف على مواقع التواصل الاجتماعي.. فبعد أن كانت المجاملة والستر وغض الطرف، هي الثقافة السائدة بين آبائنا؛ أصبحت الوقاحة والتطاول واقتحام الخصوصيات هي السائدة لدى جيل الإنترنت.. وبعد أن نضجت في تويتر والواتساب، بدأت ثقافة الوقاحة تتسرب إلى تعاملات الشارع وواقع الحياة.. والأسوأ من هذا أنها أصبحت في عرف البعض شجاعة وجراءة ونوعاً من الاحتساب، في حين أنها تطاول ودليل على فراغ أصحابها - حيث لا أسهل من الترصد والانتقاد ولا أصعب من الإبداع والإنتاج.. حيث لا أسهل على الضمير المثقل بالذنوب من السياحة في النت بحجة "الاحتساب الإلكتروني" ثم التوقف عند كلمات وفقرات وصور معينة لترك شتيمة قبيحة تلبس ثياب التقوى والنصيحة.. .. أنا شخصياً لم أجد رداً مثل (عدم الرد).. أفضّل إضاعة وقتي في الكتابة والتأليف بدل إضاعته في الرد على التعليقات السخيفة.. أتعمّد التجاهل كونه وسيلة فعالة للرد على الجاهلين بدليل قوله تعالى«وَإِذا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً».. لو طبقنا هذه الآية مثلاً لمواجهة أزمة الرسوم الدنمركية - ضد نبينا الكريم - لما ساهمنا في شهرة الرسام ونشر الرسومات المسيئة في صحف العالم.. لم نتذكرها أصلاً بعد تجربتنا القديمة مع سلمان رشدي الذي نشر آيات شيطانية عام 1988 فمنحه العالم الإسلامي سمعة مدوية نال بسببها جائزة ويتبيرد للإبداع وأصبح ثرياً بفضل ملايين النسخ المباعة منها (بعد أن كان كاتباً مغموراً فشل في بيع خمس روايات قبلها)!! .. أما على مستوى الأفراد فلم أجد أبلغ من قول الإمام الشافعي: إذا نطق السفيه فلا تجبه فخيرٌ من إجابته السكوت فإن كلمته فرَّجتَ عنه وإن خليته كمداً يموت فكثيراً ما يكون الصمت وعدم الرد (وأحياناً الاكتفاء بالشكر الجزيل) هو السلاح العظيم لي ولك وللأسماء المعروفة في المجتمع.. فالكاتب مثلاً لا يمكنه إرضاء الجميع بحكم مهنته.. وضعه خطير لأنه - وبحكم المهنة أيضاً- مجبر على قول رأيه علانية (بعكس عامة الناس) وبالتالي لن يرضي كافة الأطراف مهما فعل.. يصعب عليه مناقشة الجميع أو الرد على الجميع كونه يسمع كل يوم انتقاداً ومديحاً لذات المقال - أو يسمع حوله نصائح متعارضة يستحيل تنفيذها أو نشرها.. أنا شخصياً أحترم جميع الآراء التي تصلني ولكنني سأبذل جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً إن حاولت تفنيد كل رأي على حدة - فأتجنب الجدال ببساطة وأكتفي بالشكر على التنبية.. .. مايهمك أنت - في نهاية المقال - أن تدرك أن السكوت في زمن الوقاحة أصبح أفضل حل للأسباب التالية: - لأن ردك على الجاهل ينزل بك لمُستواه. - ولأن ردك على الساذج يجعل الناس يخلطون بينكما ! - ولأن ردك على الحاسد يُنفس عن غلّه تجاهك. - ولأن ردك على قليل الأدب يدفعه للتطاول عليك مجدداً. - ولأن ردك على المغمور يمنحه فرصة الظهور. - وأخيراً؛ لأن ردك في زمن النت يبقى إلى الأبد على النت.