من جميل ما تعطيه الثقافة للمجتمع الإنساني الأفكار المعرفية والآراء العامة التي يستقيها هذا الإنسان مما اطلع عليه من قراءات على أكوان المعرفة وكواكب العلم. فالإنسان العاقل هو الذي يتحين الفرص الذهبية للإبداعات التي يقوم بها المثقفون والعلماء والباحثون، ولعل الشاهد على هذا ما يقال عن فكتور هيجو الأديب الفرنسي المعروف أنه في حياته الأدبية يكتب صفحة واحدة من إبداعاته كل يوم، فهو بذلك يطرح فكره على طاولته في مكتبه على الورق، بحيث يبدع ويرى أن هذه الصفحة الموحدة هي كافية للإبداع، وإذا ما أكثر الكتابة فإنما يكتبه هو أي كلام كما يقول إخواننا في مصر. وفي عالمنا نرى الكثير الكثير مما يكتب على أنه من قبيل الأدب أو الثقافة أو المعرفة، لكن الإبداع والفصاحة والبيان بعيدة عن ذلك إلا ما رحم. وقد تكون فكرة هيجو مستغربة أو مستهجنة في أوساطنا بصفة عامة وبالذات عند معاشر المثقفين فإنها لابد من أن تعرض لهم فائدة ولو من قبيل التذكير ليس إلا.. فالغاية من ذلك هو كما يقول أديبنا الظريف طاهر تونسي هو الاتكاء بالقلم على الورق الذي يكتب على صفحاتها، وهو يعني ما قاله قديماً أنه لقي أستاذنا عبدالسلام الساسي وكان في أوج ازدهار ما يكتبه يا أستاذ عبد السلام لِمَ لا تتكئ على القلم بشيء من القوة ؟ يقصد بذلك الإبداع فيما يكتبه في صحف زمان كدنيا الأدب التي يحررها في جريدة " المدينة " سباعي عثمان والصفحة السابعة التي كان يحررها عبدالله الجفري وزملاؤه في " عكاظ " وصفحة " مسمار " التي كان يحررها في مجلة " اليمامة " علوي الصافي، على المستوى المحلي. وإذا ثمة من دعوة ثقافية فإن القول بذلك يعود إلى داعي الأدب كمؤلف مثقف، ولهذا أمثلة كثيرة على مر المستويات الزمانية والمحطات الثقافية وما أروع وما أبدع من أن يتناول القارئ المثقف أو القارئ المحب للثقافة ديوان حافظ إبراهيم شاعر الشعب أو خليل مطران شاعر القطرين الذي امتد به العمر بعد شوقي وحافظ فلقب بشاعر الأقطار العربية . أو يقرأ لإبراهيم عبدالقادر المازني أو لعباس محمود العقاد لأي كتاب من كتبهما وأي مؤلف من مؤلفاتهما. أو يطلع على كتب ميخائيل نعيمة الإبداعية، أو كتب محمد حسن عواد وشعر حمزة شحاته ونقدات عبدالعزيز الربيع ودراسات الكتب والتعريف بها لمحمد سعيد العامودي. هذه مجموعة مما يمكن الاطلاع عليه، خاصة وأن الاهتمام بالثقافة والأدب والمعرفة بدأ أكثر إلحاحاً بعد ركود الأدب منذ فترة ليست بالقليلة، وحذاري أوجهه للجيل الحالي من المؤلفين الجدد والمثقفين الشداة من أن يكتبوا ويؤلفوا بهرولة سريعة من دون أن يتكئوا على الأقلام كما أشرنا سابقاً ولهذا دعونا سابقاً إلى تأصيل أدب المثقفين الذي يعني المعرفة بالنحو العربي والاستعانة بالمعلومات واستنباط الأفكار والدروس التي تأتي من خلال البحث والمدارسة خلال أكثر من مقال في جريدة الندوة على عهد رئيس تحريرها الدكتور عبد الرحمن سعد العرابي . إن هذه الدعوة محورها الاطلاع وبؤرتها التذوق للأدب والشعر واللغة والفن والنحو وببيان أدبي مبدع وثقافي ممتع، ومعلومات ومعارف من هنا ومن هناك قديماً وحديثاً الشيء الذي يجعل من الإنتاج الثقافي أصيلاً ومن الكتابة الأدبية أمراً جميلاً ، ومن المعرفة مرتعاً للعباقرة جيلاً خلف جيل ورعيلاً بعد رعيل .. إلى ما هنالك من محاور وأصول وقواعد ومبادئ وقيم تخلف من الثقافة معرفة مفيدة ومن الأدب ثقافة نافعة .